بمناسبة الاحتفال بعيد جسد الرب أقيمت صلاة خاصة في كنيسة القيامة بالقدس ترأسها غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين بمعاونة عدد من الاساقفة المساعدين والكهنة والرهبات والراهبات وجمع غفير من المؤمنين.
وقد خاطب غبطة البطريرك المصلين بعظة روحية شيقة
ننشر هنا في نورسات النص الكامل لتلك العظيم لتعم الفائدة.
الإخوة والأخوات الأعزاء
أصحاب السيادة الأساقفة والكهنة
ليمنحكم الرب السلام.
يذكرنا احتفال اليوم في كنيسة القيامة، بعيد جسد الرب ودمه، بجوهر رسالتنا في الكنيسة وفي حياتنا الكهنوتية.
يساعدنا نص الإنجيل اليوم، وهو غني بكثير من الأفكار التي تساعد على الصلاة، على فهم معنى سر الإيمان هذا، أي الإفخارستيا، وعلاقتها بسياق حياتنا الحالية.
أتوقّف عند نقطة واحدة من نص الإنجيل: “إصرف الجموع ليمضوا إلى القرى والحقول التي حولنا، فينزلوا ويجدوا قوتًا لأننا هنا في مكان قفر” (لوقا 9، 12). فقد تبع يسوعَ جمعٌ مكوّن من خمسة آلاف شخصٍ طوال النهار، في مكان قفر، في حرارة الطقس التي نعرفها نحن سكان هذه البلاد. الوقت مساء، والجمع تعِبٌ وجائع. ويدعو الرسلُ المسيحَ، وهم مهتمون بالأمر، أن يضع حدًّا للنهار.
لكن الجموع لا تنصرف، بالرغم من التعب والحرّ والجوع، ولا يعودون إلى بيوتهم، بل يبقون بقرب يسوع، ويريدون الاستمرار في سماع كلامه. هذا يعني أن جوعهم لم يكن جوعًا ماديا فقط، بل أنهم كانوا يعانون من جوع آخر، أكثر عمقًا. فالانزعاج من الحرّ لم يكن يُذكر مقارنة بما سمعوه من يسوع. كانوا جائعين لكلمة الحياة. فحضور يسوع وكلامه ملأ فراغًا في قلوبهم أعمق من فراغ الجوع المادي: “إلى من نذهب يا رب، عندك كلام الحياة الأبدية” (يوحنا 6، 68). كلام يسوع، كلام الحياة الأبدية الذي يعطي معنى للحياة البشرية، يصيب القلب المليء غالبًا بالكثير من الهموم والأسئلة، ويمنحه الراحة. ذلك أن الله خلق الإنسان من أجل السماء، ومصيره هو الحياة الأبدية مع الله، وكلمة الحياة وحدها يمكنها أن تجيب على الرغبة العميقة الساكنة في قلب كل واحد منا. وحدَه كلام الله بوسعه أن يجيب على تساؤلات الإنسان العميقة.
لا يختلف عالم اليوم عن عالم الأمس. ما زلنا نشاهد اليوم أزمات دولية مستمرة، ونزاعات بين الإخوة يمكن أن تسبب الجوع لشعوب كاملة في العالم. وما زال الجوع يشكل اليوم واقعًا مؤلمًا في العالم، وغابًا ما يكون السبب في ذلك الأنانية والسياسات قصيرة الأمد واللامبالاة. ما زلنا هنالك في العالم، وحتى بيننا، شعب جائع كما كانت الجموع في إنجيل اليوم. لكن هنالك جوع آخر أكثر خطورة، جوع إلى كلمة الحياة التي تعطي الراحة لقلوب كثيرة مضطربة. وحتى هنا في الأرض المقدسة، لا نجد الكثير من المصداقية عندما نتكلم عن الأمل والثقة والمستقبل. فغالبًا ما تكون قلوبنا مثقَلة بالألم والوحدة.
تذكرنا الكنيسة في عيد اليوم بحقيقة مهمّة، ينبغي ألّا ننساها أبدًا، والتي هي في قلب رسالتنا. بدون يسوع، يبقى العالم جائعًا، لأن يسوع هو العزاء الحقيقي والوحيد.
وفي الإفخارستبا، نحتفل بهذه الهبة العظيمة، أعني حضوره بيننا، وهبة حياته ذاتها، وموته وقيامته. نجد في الإفخارستيا بزوغ الحياة الأبدية في حياتنا. وفيها نجد الجواب الحقيقي على جوع الإنسان العميق. وحدها هذه القوة يمكنها أن تسندنا بقوة وثبات وشجاعة والعمل في سبيل العدل والسلام، وفي حق كل إنسان في حياة كريمة، تتناسب مع دعوته كشخص مخلوق على صورة الله ومثاله.
يذكرنا الاحتفال بعيد جسد الرب ودمه، هنا في كنيسة القيامة، أنه، كما كانت جموع الإنجيل متعلّقة بكلمة الحياة الصادرة عن يسوع، هكذا يجب أن يكون الأمر بالنسبة لنا اليوم. ينبغي أن تنطلق جميع مبادراتنا من هنا، من كنيسة القيامة، كما ينبغي أن نعود دائمًا إلى هنا. وحول هذا المكان وهذا السر، ينبغي أن نبني مشاريعنا. يجب أن تتركّز حياة كنيستنا على السر الإفخارستي، سواء في الاحتفال بالسرّ نفسه أو في حياتنا اليومية، وذلك بأن نكون قريبين من كل شخص. يجب أن تصبح حياتنا باستمرار بذل ذات في سبيل حياة العالم.
لكن، لا افخارستيا دون كهنوت.
الكهنة هم الذين يكسرون الخبز من أجلنا، وهم الذين يحملون حضور المسيح كل يوم إلى حياة العالم. الكاهن مدعو إلى أن يكون لقاءً بين حياة المسيح وحياة العالم. وما حياته سوى هذا: أن يبذل ذاته في سبيل حياة جماعته. كان يقال إن الكاهن يحتفل “في شخص المسيح”. وهذا ينطبق على حياته بأكملها، وليس فقط أثناء الاحتفال بالذبيحة. كل كاهن مدعو إلى أن يصبح خبزًا مقسومًا ويبذل حياته ويبشر بكلام الحياة الأبدية، أي بكلام الله، وأن يعيشه.
وستسمر الجماعة المسيحية في الوجود، بغض النظر عن محدوديتها ونقائصها، ما دام هنالك كهنة يقسمون الخبز السماوي في حياتهم وفي احتفالهم بالذبيحة الإلهية.
لنشكر إذن جميع كهنتنا، الحاضرين منهم والغائبين لسبب ما، والذين يحتفلون اليوم بيوبيلهم الكهنوتي. نشكرهم بالخصوص على أمانتهم. فهم استمروا في بذل ذواتهم في سبيل المسيح والكنيسة، في أوقات الفرح وأوقات الألم، أوقات المشاركة وأوقات الوحدة، وأعطوا بذلك الحياة لجماعاتهم.
لتشكرهم أيضًا الجماعات التي قاموا بخدمتها، لأنها اختبرت بفضلهم حضور المسيح وتعزيته وغفرانه.
تشكرهم كنيستنا الأم في القدس. وليعمل مثالهم وشهادتهم وفرحهم على جعل آخرين يتبعون مثلهم ويحملون كلام الحياة الأبدية في جماعتنا.
لتشفع بنا جميعًا، أما يسوع وأمّنا، ولترافقنا بحمايتها في حياة كنيستنا.
وقد خاطب غبطة البطريرك المصلين بكلمة موسعة ننشر هنا في نورسات نصها الكامل لتعم الفائدة.
الإخوة والأخوات الأعزاء
أصحاب السيادة الأساقفة والكهنة
ليمنحكم الرب السلام.
يذكرنا احتفال اليوم في كنيسة القيامة، بعيد جسد الرب ودمه، بجوهر رسالتنا في الكنيسة وفي حياتنا الكهنوتية.
يساعدنا نص الإنجيل اليوم، وهو غني بكثير من الأفكار التي تساعد على الصلاة، على فهم معنى سر الإيمان هذا، أي الإفخارستيا، وعلاقتها بسياق حياتنا الحالية.
أتوقّف عند نقطة واحدة من نص الإنجيل: “إصرف الجموع ليمضوا إلى القرى والحقول التي حولنا، فينزلوا ويجدوا قوتًا لأننا هنا في مكان قفر” (لوقا 9، 12). فقد تبع يسوعَ جمعٌ مكوّن من خمسة آلاف شخصٍ طوال النهار، في مكان قفر، في حرارة الطقس التي نعرفها نحن سكان هذه البلاد. الوقت مساء، والجمع تعِبٌ وجائع. ويدعو الرسلُ المسيحَ، وهم مهتمون بالأمر، أن يضع حدًّا للنهار.
لكن الجموع لا تنصرف، بالرغم من التعب والحرّ والجوع، ولا يعودون إلى بيوتهم، بل يبقون بقرب يسوع، ويريدون الاستمرار في سماع كلامه. هذا يعني أن جوعهم لم يكن جوعًا ماديا فقط، بل أنهم كانوا يعانون من جوع آخر، أكثر عمقًا. فالانزعاج من الحرّ لم يكن يُذكر مقارنة بما سمعوه من يسوع. كانوا جائعين لكلمة الحياة. فحضور يسوع وكلامه ملأ فراغًا في قلوبهم أعمق من فراغ الجوع المادي: “إلى من نذهب يا رب، عندك كلام الحياة الأبدية” (يوحنا 6، 68). كلام يسوع، كلام الحياة الأبدية الذي يعطي معنى للحياة البشرية، يصيب القلب المليء غالبًا بالكثير من الهموم والأسئلة، ويمنحه الراحة. ذلك أن الله خلق الإنسان من أجل السماء، ومصيره هو الحياة الأبدية مع الله، وكلمة الحياة وحدها يمكنها أن تجيب على الرغبة العميقة الساكنة في قلب كل واحد منا. وحدَه كلام الله بوسعه أن يجيب على تساؤلات الإنسان العميقة.
لا يختلف عالم اليوم عن عالم الأمس. ما زلنا نشاهد اليوم أزمات دولية مستمرة، ونزاعات بين الإخوة يمكن أن تسبب الجوع لشعوب كاملة في العالم. وما زال الجوع يشكل اليوم واقعًا مؤلمًا في العالم، وغابًا ما يكون السبب في ذلك الأنانية والسياسات قصيرة الأمد واللامبالاة. ما زلنا هنالك في العالم، وحتى بيننا، شعب جائع كما كانت الجموع في إنجيل اليوم. لكن هنالك جوع آخر أكثر خطورة، جوع إلى كلمة الحياة التي تعطي الراحة لقلوب كثيرة مضطربة. وحتى هنا في الأرض المقدسة، لا نجد الكثير من المصداقية عندما نتكلم عن الأمل والثقة والمستقبل. فغالبًا ما تكون قلوبنا مثقَلة بالألم والوحدة.
تذكرنا الكنيسة في عيد اليوم بحقيقة مهمّة، ينبغي ألّا ننساها أبدًا، والتي هي في قلب رسالتنا. بدون يسوع، يبقى العالم جائعًا، لأن يسوع هو العزاء الحقيقي والوحيد.
وفي الإفخارستبا، نحتفل بهذه الهبة العظيمة، أعني حضوره بيننا، وهبة حياته ذاتها، وموته وقيامته. نجد في الإفخارستيا بزوغ الحياة الأبدية في حياتنا. وفيها نجد الجواب الحقيقي على جوع الإنسان العميق. وحدها هذه القوة يمكنها أن تسندنا بقوة وثبات وشجاعة والعمل في سبيل العدل والسلام، وفي حق كل إنسان في حياة كريمة، تتناسب مع دعوته كشخص مخلوق على صورة الله ومثاله.
يذكرنا الاحتفال بعيد جسد الرب ودمه، هنا في كنيسة القيامة، أنه، كما كانت جموع الإنجيل متعلّقة بكلمة الحياة الصادرة عن يسوع، هكذا يجب أن يكون الأمر بالنسبة لنا اليوم. ينبغي أن تنطلق جميع مبادراتنا من هنا، من كنيسة القيامة، كما ينبغي أن نعود دائمًا إلى هنا. وحول هذا المكان وهذا السر، ينبغي أن نبني مشاريعنا. يجب أن تتركّز حياة كنيستنا على السر الإفخارستي، سواء في الاحتفال بالسرّ نفسه أو في حياتنا اليومية، وذلك بأن نكون قريبين من كل شخص. يجب أن تصبح حياتنا باستمرار بذل ذات في سبيل حياة العالم.
لكن، لا افخارستيا دون كهنوت.
الكهنة هم الذين يكسرون الخبز من أجلنا، وهم الذين يحملون حضور المسيح كل يوم إلى حياة العالم. الكاهن مدعو إلى أن يكون لقاءً بين حياة المسيح وحياة العالم. وما حياته سوى هذا: أن يبذل ذاته في سبيل حياة جماعته. كان يقال إن الكاهن يحتفل “في شخص المسيح”. وهذا ينطبق على حياته بأكملها، وليس فقط أثناء الاحتفال بالذبيحة. كل كاهن مدعو إلى أن يصبح خبزًا مقسومًا ويبذل حياته ويبشر بكلام الحياة الأبدية، أي بكلام الله، وأن يعيشه.
وستسمر الجماعة المسيحية في الوجود، بغض النظر عن محدوديتها ونقائصها، ما دام هنالك كهنة يقسمون الخبز السماوي في حياتهم وفي احتفالهم بالذبيحة الإلهية.
لنشكر إذن جميع كهنتنا، الحاضرين منهم والغائبين لسبب ما، والذين يحتفلون اليوم بيوبيلهم الكهنوتي. نشكرهم بالخصوص على أمانتهم. فهم استمروا في بذل ذواتهم في سبيل المسيح والكنيسة، في أوقات الفرح وأوقات الألم، أوقات المشاركة وأوقات الوحدة، وأعطوا بذلك الحياة لجماعاتهم.
لتشكرهم أيضًا الجماعات التي قاموا بخدمتها، لأنها اختبرت بفضلهم حضور المسيح وتعزيته وغفرانه.
تشكرهم كنيستنا الأم في القدس. وليعمل مثالهم وشهادتهم وفرحهم على جعل آخرين يتبعون مثلهم ويحملون كلام الحياة الأبدية في جماعتنا.
لتشفع بنا جميعًا، أما يسوع وأمّنا، ولترافقنا بحمايتها في حياة كنيستنا.