اتِّباع يسوع والسير على دربه، مشاركة كل معمّد في بناء الكنيسة من خلال الشهادة وعدم التخوف من المحبة المجانية. هذا أهم ما تحدث عنه البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم السبت المشاركين في مؤتمر القادة الشباب لكنيسة السريان المالابار الكاثوليك.
استقبل البابا فرنسيس ظهر اليوم السبت المشاركين في مؤتمر قادة الشباب لكنيسة السريان المالابار الكاثوليك. وفي بداية كلمته إلى ضيوفه رحب قداسته بالجميع وتوقف عند هذا الحج للقادة الشباب من الأبرشيات المختلفة لهذه الكنيسة وشدد على أننا في كل حج نبحث عن الرب يسوع الذي هو الطريق والحق والحياة. وتابع البابا أننا نريد أن نتبعه وأن نسير على دربه، درب المحبة، الطريق الوحيد الذي يقود إلى الحياة الأبدية. وليس هذا طريقا سهلا، قال الأب الأقدس، لكنه جذاب، كما أن الله لن يتركنا أبدا حين ندع له فسحة في حياتنا بأن نتقاسم معه الأفراح والآلام لنختبر ذلك السلام الذي يمكن لله فقط أن يهبه.
وواصل البابا فرنسيس حديثه مذكرا بأن يسوع لم يتردد في أن يسأل تلاميذه إن كانوا يريدون بالفعل أن يتبعوه أم أنهم يفضلون طريقا آخر (راجع يو ٦، ٦٧). وقد تحلى سمعان بطرس في هذه اللحظة بشجاعة أن يجيب: “يا رب، إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟” (٦٨). وتابع الأب الأقدس أنه يريد هو أيضا أن يقول للشباب اليوم إن الحياة تصبح ممتلئة بالمعنى وخصبة حين نقول “نعم” ليسوع. وقال: “يمكن لكل منكم أن يسأل نفسه: هل أنا مقتنع بهذا؟ هل اختبرتُ الشعور بأنني محبوب بمجانية، لا بفضلي بل بفضل هبة بحتة؟ هذه الخبرة هي التي تمنح معنى للحياة بكاملها وتهب القوة كي نقول “نعم” للخدمة والمسؤولية، و”لا” للسطحية والإقصاء”.
ثم تحدث الأب الأقدس عن وصول توما الرسول إلى شواطئ الهند الغربية فزرع الإنجيل وأزهرت أولى الجماعات المسيحية. وهذا العام تمر ١٩٥٠ سنة على استشهاد القديس توما الذي ختم صداقته بيسوع حيث قال له “ربّي وإلهي” (يو ٢٠، ٢٩). وأضاف البابا فرنسيس أن الكنيسة هي رسولية وذلك لأنها تأسست على شهادة الرسل وتنمو بشكل مستمر لا بفضل الضم البغيض بل عبر الشهادة، فكل معمَّد يشارك في بناء الكنيسة بقدر كونه شاهدا. ثم قال لضيوفه الشباب إنهم مدعوون إلى أن يكونوا شهودا في المقام الأول وسط أترابهم من السريان المالابار في بلاد الانتشار، وأيضا بين من لا ينتمون إلى جماعاتهم ومن لا يعرفون الرب يسوع.
انتقل البابا فرنسيس بعد ذلك إلى الحديث عما وصفه بالأرضية المشتركة التي يلتقي فيها الشباب جميعا، ألا وهي الرغبة في محبة صادقة، جميلة وكبيرة. ودعا ضيوفه الشباب إلى عدم التخوف من هذه المحبة، فهي المحبة التي كشفها يسوع والتي يقول عنها القديس بولس إنها تصبر وتخدم ولا تسعى إِلى منفعتها بل إلى الخير والحق (راجع ١قور ١٣، ٤-٦). وواصل البابا فرنسيس دعوته حاثا الشباب على اكتشاف شهادة المحبة للقديسين والقديسات من كل حقبة ومن زمننا أيضا، فهذه الشهادات تُبرز أكثر من أية كلمات أن المسيحية ليست سلسلة من المحظورات التي تخنق التطلع إلى السعادة، بل تكمن في مشروع حياة قادر على ملء القلب. دعا قداسته أيضا إلى عدم الخوف من التمرد على التوجه المنتشر نحو تقليص المحبة إلى شاء تافه، بدون جمال وشركة، بدون إيمان ومسؤولية. وهذا ما يحدث حين نستخدم الآخرين من أجل أهدافنا الأنانية وكأنهم أشياء، فتنكسر القلوب ولا يبقى فيها سوى الحزن.
هذا وأراد قداسة البابا التوقف في كلمته عند اليوم العالمي القادم للشباب الذي سيُعقد في لشبونة وتحدث عن موضوعه ألا وهو “قامت مريم فمضت مسرعة” (لو ١، ٣٩). وقال الأب الأقدس إن مريم وبعد أن تلقت بشارة الملاك وأجابت “نعم” على دعوتها كي تكون أم المخلص، توجهت على الفور إلى أليصابات والتي كانت قد حبلت وأصبحت في الشهر السادس. مريم لم تبقَ في بيتها لتفكر في هذا التميز العظيم الذي تلقته أو في المشاكل الكبيرة الناتجة عنه، قال البابا، لم تدع مريم الفخر أو الخوف يشلانها، فهي ليست مثل مَن يحتاج إلى أريكة يستلقي عليها في أمان ليشعر بارتياح، بل فكرت في خدمة أليصابات المسنة فقامت ومضت إليها مسرعة. ثم أشار البابا فرنسيس إلى لقاء مريم وأليصابات الممتلئ بالروح القدس وقال إن هذا اللقاء يدعونا إلى التفكير في خصوبة اللقاء بين الشباب والمسنين. ودعا ضيوفه الشباب بالتالي إلى أن يكتشفوا جذورهم ويتعرفوا على شهادات مَن سبقهم. فأنتم لديكم القوة والمسنون لديهم الذاكرة والحكمة، قال البابا. وواصل داعيا الشباب إلى أن يفعلوا ما فعلت مريم مع أليصابات، أن يتوجهوا لزيارة أقاربهم المسنين. وتوقف في هذا السياق عند خصوصية كنيسة السريان المالابار الكاثوليك حيث تتمتع بتاريخ طويل وبغنى روحي وليتورجي يجب اكتشافه مجددا بشكل متواصل وذلك بمساعدة الأساقفة والكهنة. ودعا الأب الأقدس الشباب بشكل خاص إلى أن يعرفوا جيدا كلمة الله عبر قراءتها بشكل يومي وتطبيقها في حياتهم.
وفي ختام حديثه أراد البابا فرنسيس التوقف عند ما وصفه بالتصرف الإفخارستي الذي تُعلِّمنا مريم أن نعيش به، أي توجيه الشكر وتقديم التسبيح لا أن نتوقف عند المشاكل والصعاب فقط. وقال قداسته إن تضرعات اليوم ستصبح دوافع للشكر غدا، وأكد أن المشاركة في الأسرار تجدد حياتنا بشكل يومي لتصبح تمجيدا متواصلا لله كلي القدرة. ثم بارك البابا الجميع وعائلاتهم وجماعاتهم سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.