عائلة لبنانية تقدّم شهادة حياتها وسط تأثُّر المشاركين خلال اللقاء العالمي للعائلات في الفاتيكان

في قلب الفاتيكان، في قاعة القدّيس بولس السّادس، وضمن اللقاء العالمي العاشر للعائلات، الذي يُعقد في روما، بين 22 و26 يونيو/حزيران الحالي، تحت عنوان: «الحُبّ العائلي: دعوة ودرب قداسة»، والذي تلتقي فيه حوالي 2000 عائلة من حول العالم، قدّم داني وليلى عبد الله، الأستراليّان من أصل لبناني، شهادة حياة عائلتهما أمام اُسَر من كلّ العالم، وسط تأثّر كبير للحضور في القاعة وتصفيق متكرّر وطويل خلال الكلمة.


يومٌ صيفيّ مثاليّ يتحوّل إلى مأساة
شرح داني في كلمته أنّ في يوم صيفيّ مثاليّ، تمشّى سبعة أولاد لشراء المثلّجات، أربعة منهم أولاد له وثلاثة أقرباء لهم.
لكن يومها، صدم سائق ثمل قد تعاطى المخدّرات الأطفال بسرعة 150 كيلومترًا بالسّاعة في حيّ هادئ. وصف داني وصوله إلى المكان كوصوله إلى ساحة حرب، فيها أربعة أطفال متوفّون؛ جثثٌ مُلقاة هناك لا يمكن تمييزها: ثلاثة من أطفاله أنطوني وأنجيلينا وسيينا وابنة عمّتهم فيرونيكا صقر. طفل آخر قريب لهم، شربل قسّاس، عانى من جروح خطيرة ودخل في غيبوبة لأشهر عدّة.
أخت شربل وابنة داني، ليانا، صُدما أيضًا وشاهدا الحادثة كلّها.

وصلت الشرطة وسيّارة إسعاف وسيارات إطفاء، أبعدوا داني عن المكان، الذي كان قد رآهم من بعيد يغلقونه بأشرطة ويغطّون الأطفال المتوفّين بشراشف بيضاء. قال عندها في أعماقه إلى الله: «هذا أكبر منّي، أُسلّم ما يحدث إليك».

ليلى وقوّة الغفران
قالت ليلى إنّها وصلت إلى مكان الحادثة، وكان المشهد مروّعًا. كان الناس يصرخون حولها لكنّها كانت هادئة. بدأت الصلاة وطلبت من الناس أيضًا مشاركتها رفع الصلوات، لأنّها آمنت أنّ الربّ يستطيع صنع المعجزات. وصلت ليانا عندها وهي تنزف، فرافقتها بسيّارة الإسعاف إلى المستشفى، معتقدةً أنّ أطفالها الباقين سيلحقونها. كانت تبكي وتصرخ وترجو ألّا يكون ذلك حقيقيًّا. بعدها بيومين عندما دخلت ليانا إلى غرفة العمليّات لتخضع للجراحة، عادت ليلى إلى مكان وقوع الحادثة ووجدت المكان مغطّى بالزهور. هناك صلّت الأبانا والسّلام وصلاة فاطيما سبع مرّات، مرّة لكلّ طفل. شعرت بوزن كبير كأنّها تسير مراحل درب الصليب وكلّ ما بإمكانها رؤيته هو يسوع على الصليب.
عندما اقترب منها الصحافيّون، قالت: «إنّني لا أكره السّائق، أظنّ أنّني في قلبي أسامحه لكنّني أريد للمحاكمة أن تكون عادلة». عندها علا التصفيق عندما قالت ليلى إنها ظنّت ستغفر له، مضيفة أنها تعتقد أنّ الروح القدس قد حرّك شفتيها يومها.
قال داني إنّ الألم كبير وهو يحمله منذ يوم الحادثة، وقد اختار عدم الهروب إلى الكحول والمخدّرات. والخيار الذي يقوم به لا يرفع عنه الألم بل يحدّد من يكونون كعائلة لبقيّة حياتهم، فإمّا يعلقون في وادي الألم والحداد أو يخرجون إلى أراضٍ أعلى. وتابع داني: «قرّرت الغفران لذاتي لأنّني قلت لأبنائي أن يذهبوا للتمشية». وقال داني: «كنتُ قد سمعت قصّة آلام المسيح مرّات عدّة خلال حياتي لكنّني الآن أفهم معناها». وأضاف: «أنا لا أخدم إلهًا يمتحنني. بل أخدم إلهًا قد تألّم كثيرًا قبلي». وأردف: «في الغفران ينال الغافر أكثر من المغفور له».
الغفران قوّة وحريّة
قالت ليلى: «نقف أمامكم هنا حاملين رسالة من الله لكم جميعًا، وهي جوهر المسيحيّة. هي آخر كلمات المسيح على الصليب: إنّها الغفران». وتابعت: «في الغفران قوّة. في الغفران حريّة. الغفران علامة صلابة وليس ضعف. الغفران عطيّة تعطونها لذاتكم وللآخرين». وأضافت: «لم يكن عليّ انتظار السّائق للاعتذار كي أغفر له».


 شعورهما بشهادة الحياة
 قالت ليلى: «لم أكن لأتخيّل أننا سنكون في الفاتيكان يوم عيد ابني أنطوني للتكلّم عن الغفران أمام العالم. 

ومن هنا أتمنّى له عيد ميلاد 16 سعيد». عندها علا تصفيق طويل في القاعة وتأثّر داني دامعًا. ونصحت ليلى: «إن أردت أن تغفر لأمر كبير، ابدأ بالغفران لذاتك ولعائلتك. ابحث عن رحمة الله وحُبّه ومغفرته في سرّ الاعتراف، وإنّني لا أتكّلم من كمالي. إنّني لست كاملة». وأضافت: «لا أحد منّا كاملًا». وعبّرت أنّ الغفران قد جلب الشفاء والسّلام لهما. فقلبها مفطور لكنّها بسلام لأنّها تعلم أنّ أبناءها في السّماء. «لكلّ منّا صليب عليه أن يحمله -قالت ليلى- لا نستطيع التحكّم بما سيحدث لكنّنا نستطيع اختيار الردّ».

رسالة الغفران إلى لبنان والشرق الأوسط
وشرح داني أنّ بعد كلّ موت هناك قيامة. وأضاف أنّه وليلى قد سمعا العديد من قصص أناس قبلوا الغفران بعد سماعهم قصّتهم. وفسّر أنّ الحكومة الأستراليّة قد جعلت من 1 فبراير/شباط من كلّ عام، اليوم الذي توفّي فيه أطفالهم، يومًا وطنيًّا للغفران. عندها علا التصفيق من جديد في القاعة. أمل داني أن يحمل الغفران يومًا إلى أرضه الأُمّ لبنان والشرق الأوسط والعالم بأسره. أمل داني أن يحمل الغفران يومًا إلى أرضه الأُمّ لبنان والشرق الأوسط والعالم بأسره. وخَلُص: «الآن أنظر إليكَ ربّي يسوع، أنت علّمتنا أحبّوا أعداءكم وصلّوا من أجل مضطهديكم، وفقط عندها تصيرون أبناء أبيكم الذي في السّماء. رجاءً يا ربّ ساعد ليلى وساعدني وجميعنا هنا لنتابع مسيرة الغفران» ليعلو تصفيق كبير نهائي في القاعة.