يردنا العديد من الأسئلة حول ماهية الموت ما هو لماذا لكل إنسان نهاية لماذا نخاف الموت ما هو مفهوم الموت في الكنيسة كيف نفهم الموت .
أسئلة كثيرة لا بد ان نجيب عليها لتوضيح هذا المفهوم القاتم ليعرف جميع المؤمنين معلومات تفيد خلاص نفوسهم .
سنرجع للبداية .
يخبرنا سفر التكوين أن الله قال نخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا وجبل الرب ترابا وخلق آدم ونفخ فيه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية ثم حزن عليه كونه وحيدا بين المخلوقات فأوقع عليه سباتا وأخذ واحدا من أضلاعه وملأ بدله لحما وصنع حواء وحين رآها آدم قال هذه عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أُخذت .
خلق الله الإنسان كائنا فريدا فهو المخلوق على صورة الله ومثاله وجعله سيدا على كل ما خلق لدرجة أن الله احضر جميع المخلوقات ودعاها آدم بأسمائها وكان سيدا فعليا ومتسلطا عليها ، وعاش آدم وحواء في الفردوس يأكلان من ثمر الجنة سعيدان بالعشرة مع الله .
ومن هنا نستنتج أن الله لم يخلق الإنسان للهلاك بل للخلود وديمومة الحياة يشترك مع الله في التمتع بما خلقه الله وجعله سيدا عليه .
لكن كان شرط الله أن لا يأكلا من شجرة معرفة الخير والشر . وهنا يسأل البعض هل كان الله يجرب آدم ؟ هل إن الله لا يريد من آدم وحواء معرفة ما يرضي الله وما لا يرضي الله ؟ هل وضعهما الله في محك وفشلا فيه ؟
الجواب كلا بدليل أن الله جعل آدم يعرف جميع ما خلق وأن يستمتع بوقته في الفردوس ولم يتركه وحيدا فخلق له معينا نظيره فماذا كان قصد الله ؟
لقد كان عقل الإنسان بدائيا لا يستوعب كل شيء بسرعة مثل جهاز الكمبيوتر الجديد حين تشغيله لا بد أن يتعرف على الأجهزة الملحقة به بالتدريج فقد كان قصد الله أن يعرف آدم الخير والشر ما يرضي وما لا يرضيه بالتدريج ليستوعب عقله البدائي كل شيء بعد ذلك ليصل إلى المعرفة الكاملة وقال له يوم تأكل من تلك الشجرة موتا تموت .
وجاء عدو الخير وأوعز لآدم ليأكل من الشجرة المحرمة لكن آدم أعاد قول الله أننا نموت لو أكلنا منها وكذّب آدم كلام الرب حين قال له الشيطان لن تموتا وكانت تلك من أوائل خطايا آدم أي تكذيب كلام الله كما انتابه الكبرياء الذي غرسه الشيطان بأن عندما تأكلان من الشجرة تصبحان مثل الله تميزان بين الخير والشر وكانت تلك خطيئة اخرى تُسجل على الجدين الأولين .
وكانت النتيجة المعروفة الطرد من الفردوس والانفصال نهائيا عن الله .
لكن آدم لم يميز بين الموت الذي قصده الشيطان والموت الذي قصده الله .
فالله قصد بالموت الانفصال عن الله للأبد بينما قصد الشيطان موت الجسد .
الموت الذي يخاف منه الناس هو رقاد الجسد وبه تنتهي الحياة الوقتية لذلك كان الوثنيين يعتبرونه فناء وفراقا أبديا لذلك كانوا عند وفاة عزيز عليهم يلطمون ويخلعون شعر الرأس ويلطمون الخدود من فرط الحزن وشدة الألم ألم الفراق .
هذا النوع من الموت تسلل إلينا بفساد الجدين الأولين لقد كان قصد الله أن يبقى الإنسان خالدا لا يموت نقي الصورة لكن الخطيئة أو الخطايا الأولى صار بها الفساد للجسم البشري كله وورثنا عن آدم نتائج الخطيئة وهي الفساد والألم والموت .
وأصبح الإنسان النقي فاسدا بعد الخطيئة فيكون نسله كله فاسدا وبذلك استحق ما نسميه موتا .
لم تستطع الشريعة محو هذه الموروثات أقصد الفساد والألم والموت بل حاولت ان تلقي ظلالا من المعرفة والتمييز بين الخير والشر من خلال الذبائح والأوامر والنواهي لكن الخطيئة استشرت في الجسم البشري سرطانا خبيثا ينهش علاقة الإنسان بالله وتبقيه في ظلام الجهل المطبق يزداد بعدا عن الله يوما فيوما وما من خلاص .
ثم أشرقت شمس العدل بولادة المخلص من امنا القديسة الدائمة البتولية مريم ونشر تعاليمه السامية التي لا تعالج الخطيئة فحسب بل أساسها وفتح ملكوت السماوات لكل من يؤمن بتجسده الإلهي ويؤمن بأن دم المسيح هو القوة الوحيدة والفريدة للخلاص وللتواصل مع الله وتعود له الحلة الأولى على صورة الله ومثاله .
فحين يعتمد الشخص باسم الثالوث القدوس يدفن معه بالمعمودية الإنسان العتيق المنفسد بشهوات الخديعة ويخرج جديدا متجددا على صورة الله ومثاله .
ويوضح الفصل السادس من الرسالة إلى روما أنه بآدم دخلت الخطيئة وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا .
وأن أجرة الخطيئة هي موت أي إنه في عهد النعمة العهد الجديد من يمارس الخطيئة هو في نظر الله والكنيسة ميت وهو حي لأنه منفصل عن الله بالخطيئة .
فما يسميه الناس موتا أي رقاد الجسد نحن كمؤمنين لا نخاف منه لأن رب المجد لم يدخل مجده السماوي إلا بعد ان ذاقه فقد مات على الصليب فنال العدل الإلهي حقه الكامل بذبيحة المسيح الواحدة وأصبح رقاد الجسد بعد ان كان فناء وفراقا أبديا هو في المسيح الخطوة الأولى نحو الملكوت السماوي فقد نسف رب المجد أسطورة الهالة العظيمة للموت بموته على الصليب ودخوله مجد السماوات بطبيعتنا البشرية التي حملها حيث أجلسها في مكانها عن يمين الآب .
لكن المصيبة العظمى التي نرتجف منها خوفا هي الموت الثاني أي كما قصد الله عندما قال لآدم موتا تموت أي تنفصل عن رحمتي إلى الأبد فبعد رقاد الجسد وحضور يوم الدينونة ويل لجميع الخطاة الذين أولهم أنا من الموت الثاني أي الانفصال عن رحمة الله للأبد .
هذا الموت الثاني هو ما نخاف منه ونرجو أن لا يصيبنا عندما نتمادى في المعصية والبُعد عن الله والإيمان به وتطبيق وصاياه في حياتنا .
رقاد الجسد لا نخاف منه فقد ذاقه رب المجد وانتصر عليه بقيامته المجيدة وكما يقول القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس إن اللحم والدم لا يرثان ملكوت السماوات فنحن عند القيامة نلبس جسدا جديدا روحانيا يستطيع احتمال رؤية الله ونحاسب على أفعالنا .
فلا تخافوا من رقاد الجسد فهو آت خفتم ام لا تخافوا لكن خافوا من الموت الثاني بعد القيامة عندما يكون مصيرنا مع المجرمين والزناة والذين يمارسون الرذيلة بشتى انواعها .
كان الشهداء يتسابقون في طلب الموت لقناعتهم التامة بأنه الخطوة الأولى للأبدية السعيدة والقديس بولس يقول لي اشتهاء ان أنطلق من ههنا وأكون مع المسيح .
ليتنا نرتب أمورنا بالروح ونجدد العهد مع الله كل يوم نادمين على خطايانا التي تسبب لنا الموت الأبدي ودعوتي أن يحفظ الرب أجسادكم ونفوسكم ويكون ملتقانا الحياة الأبدية في المنازل التي وعدنا بها المخلص في السماء ونعمته تعالى تحفظكم على الدوام . آمين