الأحد الرابع عشر من الزمن العادي، السنة ج
3 تموز 2022
إنجيل القديس لوقا هو الإنجيل الوحيد الذي يتحدث مرتين عن إرسال التلاميذ. الإرسال الأول، في بداية الفصل التاسع، يخص الاثني عشر وهو مقصور على الشعب اليهودي.
الإرسال الثاني، الذي نقرأه اليوم من الفصل العاشر من لوقا، يخص عددا أكبر من التلاميذ هم الاثنان والسبعون. وهو موجّه إلى الجميع، حتى الشعوب الوثنية.
من المهم جداً بالنسبة للإنجيليّ التأكيد على أن حياة التلميذ هي مشاركة في رسالة يسوع نفسها. يسوع مُرسل من الآب (راجع الآية ١٦، ويوحنا ٩) ليقود البشر للقائه وعيش حياة الأبناء. ومن يقبل الخلاص، فسوف يسير وراء يسوع كي ينقل عدوى وخبرة الخلاص للآخرين. ونشر هذا الخلاص ليس أمرا اختياريا، بل ملزِما. فإن لم تنتشر الرسالة المسيحية فسوف تفنى.
في إرساله التلاميذ، لا يقوم يسوع بأية مخططات ولا يُعلّم أية استراتيجيات، بل يُعلّم أسلوباً فيه نكهة الإنجيل ونضارته. لا يرسم يسوع مخططات وعليه فهو “يرمي” تلاميذه في معترك الحياة ويجعلهم يدخلون البيوت والساحات حيث يسكن البشر. طلب منهم أن يأكلوا مع الناس ويشفوا المرضى ويشاركوهم معاناتهم.
الرسالة المسيحية ليست مجرد فكرة بل حدثا يحتاج إلى بيت – أو بلد – يدخله المرسل ليبثّ فيه الحياة.
نجد في خطاب يسوع لتلاميذه بعض العبارات المحيّرة.
“هاءَنَذا أُرسِلُكم كالحُملان بَينَ الذِّئاب” (لوقا ١٠: ٣). إن “برنامج” الرسالة هو برنامج فصحي لأنه يتعامل مع الشر الموجود على أرضية الواقع. لا يرسل الرب تلاميذه ليقوموا بنزهة ويتحدثوا عن أمور شيقة يتم قبولها بسهولة ويسر. ولا يَعِد بنتائج سهلة المنال، كما ولا يوهم أحداً. يرسل الرب تلاميذه كي يدخلوا أماكن الموت والخطيئة ويعلنوا أنه هناك بالتحديد ستجري النعمة وتدب الحياة. كما وستواجه هذه الرسالة عقبات كثيرة مقرونة بالنبذ تماماً مثلما حصل مع يسوع.
ومع ذلك يرسلهم يسوع مع علمه أنهم بذهابهم سيقدمون حياتهم. يطلب منهم بذلها بوداعة الحملان، لأنهم سيتغلبون على الشر بسلوكهم الوديع هذا، وليس بالقوة أو التسلط أو بقدراتهم الشخصية بل بشهادة المحبة الوديعة.
“لا تَحمِلوا كِيسَ دَراهِم ولا مِزودًا ولا حِذاءً” (لوقا ١٠: ٤).
عند قيامك برحلة أنت تحاول أخذ الاحتياطات اللازمة والتفكير في كل ما تحتاجه. يفعل يسوع عكس ذلك. فهو يطلب عدم حمل أي شيء. لماذا؟
لأن نجاح الرسالة لا يعتمد على الوسائل والأدوات، بل على شهادة حياة وديعة تعلن عن إله أصبح فقيراً ومتضامناً.
ينطلق التلاميذ وهم فقراء كي يعلموا أنهم بحاجة إلى غيرهم وكي يفسحوا المجال داخل أنفسهم للآخرين وكي يتعلموا أن يطلبوا. إن حُب الآخرين لا يقتصر على إعطائهم شيئاً، بل الاعتماد عليهم أيضاً.
ينطلق التلاميذ فقراء كي يستطيعوا أن يضعوا ثقتهم فيمن أرسلهم وفي أولئك الذين سيرحبون بهم.
المرسلون ليسوا الأشخاص الذين يملكون ويعرفون كل شيء ويعتقدون أن لديهم كل ما يحتاج إليه الآخرون. الفقراء ينطلقون بتواضع لأنهم لا يستطيعون لقاء بعضهم البعض إلا إذا أقروا باحتياجهم وفقرهم. وعليه سيسمحون لأنفسهم بأن يقبلوا كلمة الله أولاً من خلال الناس الذين يلتقون بهم.
“ولا تُسَلّموا في الطّريقِ على أَحد” (لوقا ١٠: ٤). هذا أيضاً أمر غريب عجيب. الإشارة هنا إلى حدث في العهد القديم (٢ ملوك ٤: ٢٩) حيث يرسل النبي اليشاع خادمه “جيحزَي” ليقيم ابن الشونمية من الموت. لم يكن ثمة مجال لإضاعة الوقت، فالرحلة كانت عاجلة وكان على الخادم عدم إضاعة الوقت في المجاملات. كأن يسوع يقول لتلاميذه: اعتبروا الأمر مسألة حياة أو موت. فأنتم تجلبون الحياة إلى الموتى. لا تضيعوا الوقت لأن هذا هو الوقت المناسب وساعة الخلاص.
“إن كانَ فيهِ ابن سَلام، فسَلامُكُم يَحِلُّ بِه، وإلا عادَ إلَيكُم” (لوقا ١٠: ٦). السلام هو إعلان يسوع الأعظم: السلام بين السماء والأرض، وبين الله والبشر. السلام من أجل القريب والبعيد، وبين البشر الذين أصبحوا مرة أخرى إخوة وأخوات. إنه سلام القائم من بين الأموات الذي تغلب على الموت، وأتمّ المصالحة بين الله والإنسان، وحرّر البشر من الموت. إنه سلام لا يمكن خسارته. التلاميذ مدعوون لمنحه، ولكنه إن رُفض، فلن يخسر التلميذ سلامه بل سيعود إليه.
السلام الحقيقي هو سلام القائم من بين الأموات، الذي سبق ومرّ عبر النبذ والموت. وعليه فإنه سلام الودعاء ولا يمكن فقدانه.
“افرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّموات” (لوقا ١٠: ٢٠). بعد انطلاق التلاميذ يتحدث الإنجيل عن رجوعهم فرحين بما حققوه رعوياً. لا يقلل الرب من فرحهم، بل يشير إلى أنه علامة على اقتراب الملكوت.
ثم لا يدع تلاميذه يكتفون بما حققوه. التلميذ هو إنسان حر، خال من أية نجاحات رعوية وعليه من أية إخفاقات أيضاً.
إن فرح التلميذ الحقيقي هو فرح من يعرف أن حياته – وحياة كل شخص تبلّغ الخبر السار– مكتوبة في السماوات أي أنها في حماية الله.