نعيش اليوم في عالم مليء بالتحديّات، “والتاريخ أثبت أنّ العالم يتراجع” (رسالة بابويّة عامة، كلّنا إخوة، 11).
من أهم هذه التحديّات تغيّر المناخ، واستمرار جائحة فيروس الكورونا، والحرب في أوروبا ومناطق مختلفة في العالم، والصّراع في الأرض المقدّسة، وغيرها من التحديّات.
كلّ ذلك يدفعنا إلى التفكير في العالم القادم، من غير خوف من الشّدائد المتراكمة في عالم اليوم، فالمؤمن لا يخاف.
إن كنّا نعتقد أنّنا استطعنا أن نوقف ولو جزئيًّا تقدّم جائحة فيروس الكورونا، وتمكننا من العودة إلى نمط الحياة السّابق، فإنّ الحرب في أوروبا تقول لنا إنّ العالم كما عرفناه من قبل لن يعود كما كان. كذلك تقول الحروب التي لم تتوقف وعلى رأسها صراع الأرض المقدّسة. عالمنا يسير نحو مستقبل مجهول، “ويتقدّم في انقسام لا معنى له” (رسالة بابويّة عامة، كلّنا إخوة، 26). لم يَعُدْ يعتمد على تكتّلات أيديولوجيّة بل على تكتّلات بحسب المناطق التجاريّة التي أصبحت تمثّل السّتار الحديديّ الجديد. في الواقع، العالم يمرّ الآنّ بمرحلة جديدة ستؤدّي إلى المزيد من الانقسامات والمعارضات، لأنّ كلّ تكتل يريد أن يُهيمن على الآخر وهذا الأمر يمنع التقدّم البشريّ الحقيقيّ.
أمام واقع عالم يتهدّم، حروب، وأوبئة، وبلدان غنيّة وبلدان فقيرة، وبلدان قويّة لا ترحم الضّعيف ولا المهزوم، أمام هذا كلّه، المؤمّن ماذا يفعل؟ هل له دور في هذا العالم المتهدّم؟ الصّلاة، هل تفيد؟ أهي قوّة تؤثر في قوى الموت التي تقتل العالم؟
المؤمن يستمّر في صلاته، فهو شفيع لعالم معذَّب. يصلّي من أجل السّلام بين الشّعوب، ومن أجل نهاية جائحة الكورونا. ويصلّي من أجل إنسان يدمّر المناخ، حتى يصير إنسانًا يتعاون مع ربّه فيبقى الكون حسنًا، ويعود إلى حسنه، كما خلقه الله. “ورأَى اللهُ جَميعَ ما صَنَعَه فإذا هو حَسَنٌ جِدًّا” (تكوين 1، 31). والمؤمن الذي يصلّي واثق أنّ الله لن يتركه وحده، ولا يترك العالم وحده، ولا الإنسان المدمِّر لعمل دماره.
المؤمن يصلّي، ويفكّر في الوقت نفسه، وصلاته دعوة إلى التفكير وإلى اقتراح نموذج اجتماعيّ واقتصاديّ جديد فيه إنسانيّة، وفيه حُسنُ الله يبقى، فيصير بذلك أفضل.
يعيش العالم على مفترق طرق. والإنسان نفسه على مفترق طرق. هل يبقى وحده ليبني الأرض ويطورها وينمو فيها؟ أم يبقى مع الله، كما كان يوم خلقه وقال له: “اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها” (تكوين 1، 28). وأبقوها حسنة كما خلقتها حسنة. الله صنعها حسنة، ورآها حسنة. فهل يرى الإنسان برؤية الله، أم يستغني عن ربّه، ويمضي في مسعاه لصُنع الأرض وحده، فيصنع الحروب والأمراض والشّرور الكثيرة؟
الإنسان أمام مفترق طرق. وهو الذي يختار الحياة أو الموت. أمام هذا المفترق، المؤمن لا يوقف إنسانيته ولا مسؤوليته في بناء العالم مع الله، إلى جانب من يريد أن يبقى وحده من دون الله. المؤمن يبني ليصنع السّلام، وليحمي البيئة، وليحتمي من الأمراض والأوبئة، وليصنع إنسانيّة مبنيّة على الأخُوّة. المؤمن، بنعمة الله خالق الأرض، يسعى ليعيد إلى الأرض جمالها وحُسنها، ويجعلها بيتًا لجميع أبنائها، بيت سلام وعدل ومساواة ومحبّة.
الوقت الذي نعيش فيه ليس وقت الخوف والتشكّي، بل هو وقت إيمان يبعث الأمل والعمل معًا من أجل عالم أفضل. هذا العالم يبنيه كلّ مؤمن، الصّغير والكبير، الصّلاة تبنيه، والشّفاعة تبنيه، وكلّ مهارات الإنسان تبنيه. لكن الأرض بحاجة إلى الإنسان الماهر، الذي يعمل مع الله خالق الإنسان، فيبني. أصحاب النوايا الحسنة كثيرون. والمؤمنون كثيرون. لذلك يبقى الأمل قويًّا، بالرّغم من كلّ الويلات التي نحن فيها. المؤمن يؤمن أنّنا نسير نحو مستقبلٍ أفضل.