لاجئون سوريون يصارعون البقاء في الزعتري

غادر ملايين السوريين بيوتهم وبلادهم عٌقب اندلاع الأزمة السورية مطلع عام 2011 ليكون الأردن الوجهة الأولى التي قصدها السوريون لقربها الجغرافي وحدودها المشتركة مع الأردن، فضلًا عن تداخل العلاقات المجتمعية بين الشعبين.


وأنشئ يوم 29 من شهر يوليو تموز 2012 مخيم الزعتري وهو أول مخيم للاجئين السوريين في الأردن يبعد 85 كيلو مترًا شمال شرق العاصمة عمان وعلى بعد عشرين كيلو مترًا من بلدة الزعتري في محافظة المفرق.
وبعد عقد من افتتاح مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذي يعد خامس أكبر مخيم في العالم، وأكبر تجمع للاجئين السوريين في العالم، يبدو أنه أصبح حاضنا للاجئين الذين لا يُمكنهم الصمود ماديا أمام الأعباء المالية التي تتزايد في الخارج، في ظل تخفيض المساعدات المقدمة للخارجين منه.
«اليد التي لا تعمل دائما معتازة» بهذه الكلمات بدأ اللاجئ السوري زياد أحمد الرفاعي حديثه والذي نزح للأردن قادما من درعا عام 2012 ويقطن بمخيم الزعتري في محافظة المفرق شمال الأردن.
الرفاعي يعمل منذ 8 سنوات في مهنة تجهيز الشاورما بمطعم تعود ملكيته له ولشقيقه في المخيم فكما يقول « المهنة اذا ما بتغني فإنها تستر الحال» فالأوضاع صعبة على الجميع.
الرفاعي متزوج وأب لطفلين 13 و 14 عاما ولديه قناعة ان «المصلحة» أي المهنة توفر لك عمل وقوت يومك أينما تذهب.
سليمان الأحمد «22»  عام أعزب يعمل بمهنة «حلاق» داخل محل صغير يملكه في مخيم الزعتري منذ 4 سنوات ويجني من عمله 150 دينارا شهريا معتبرا هذا المبلغ غير كاف لتوفير مستلزمات حياته المعيشية.
«بطلع ملحوق في بعض الشهور» فالأحمد الذي قدم نازحا من محافظة درعا قبل 10 سنوات يشكو من غلاء الأسعار التي طالت مختلف المجالات.
يوضح ان استئجار المحل او شراءه وتملكه داخل المخيم لا يحتاج لرخصة معينة فلا يوجد شيء باسمي لكن الكل يعلم ان المحل لي، مؤكدا ضرورة توفير الدورات التدريبية على المهن المختلفة للنازحين لتمكينهم من العمل وإنشاء مشاريع مستقلة تعينهم تسيير أمورهم المعيشية.
حمزة الزهير 25 عاما  نزح للأردن عام 2012 متزوج وأب لـ 3 اطفال يعمل بمهنة حداد منذ 10 سنوات  داخل محل في مخيم الزعتري قام باستئجاره  بقيمة 50 دينارا شهريا، إضافة لعمله كميكانيكي لمولدات الكهرباء.
يقول الزهير انه يقوم بإجراء عمليات الحدادة والصيانة لكرفانات اللاجئين لا سيما ان كثيرا من الكرفانات وبعد مرور 10 سنوات على وجودها باتت بحاجة للصيانة والإصلاح حتى لا تتسرب اليها المياه أثناء فصل الشتاء، كما ان العديد منها بحاجة لصيانة أبوابها والشبابيك الخاصة بها.
واضاف ان الأوضاع الاقتصادية الصعبة للنازحين بالمخيم انعكست سلبا على عملي، فالغالبية لا تستطيع إجراء صيانة للكرفانات التي تقطن بها وبالتالي فالعمل محدود، كما ان اللاجئين لا يستطيعون دفع كلفة تفصيل سرير او شباك؛ ما يؤثر على عملي، فالسرير الذي يكلف تجهيزه خارج المخيم 60 دينارا يتم تفصيله داخل المخيم بمبالغ زهيدة جدا تصل لـ 20 ـ 30 دينارا وأضطر للعمل بهذه الكلف حتى أتمكن من العيش على حد تعبيره.
يحصل الزهير على دعم من المفوضية بواقع 23 دينارا لكل فرد من أسرته، اي انه يحصل على دعم شهري بقيمة 115 دينارا، فكما يقول ان الأوضاع المعيشية صعبة على جميع سكان المخيم فما يقوم بتحصيله من مهنته لا يكفيه لتسيير أموره الحياتية اليومية.
 ويتابع، كثير من الأمور أشتريها على نفقتي الخاصة فكثير من الأدوية أقوم بشرائها من الصيدلية على نفقتي، بالإضافة لفوط الأطفال وعالجت أسناني بمبلغ زاد على 50 دينارا بينما يوميتي تصل لـ 10 دنانير وأعمل منذ بزوغ الشمس حتى غروبها وأعتاش بالنهاية من مهنتي فبدونها « سأشحد الملح» على حد وصفه.
سعيت للهجرة خارج الأردن لكن لم أنجح، وحلمي تعلم مهنة صيانة السيارات الرياضية، فلدي حب لذلك»، واطالب بضرورة توفير تدريب للاجئين السوريين داخل المخيم على المهن المختلفة من قبل خبراء وفنيين ماهرين حتى تساعد هذه المهن النازح على تسيير أموره بتأمين فرصة عمل وتوفير لقمة عيش كريمة له.
لا يوجد إقبال على حياكة وإصلاح الألبسة واضطررت لترك مهنة الخياطة وحاليا أبحث عن عمل آخر داخل المخيم لأساعد عائلتي وفق خالد منير الذي قدم نازحا قبل 10 سنوات قادما من درعا الى الأردن.
خالد 20 عاما أعزب يقطن مع والديه ويبحث عن فرصة عمل له تعينه على تغطية مصاريفه اليومية حتى لا يمد يديه لوالده، فكما يقول كنت أعمل بمهنة خياطة وأقوم بإصلاح الملابس وخياطتها لكن نتيجة الوضع المعيشي الصعب للاجئين فإن هنالك عزوفا كبيرا في الإقبال على خياطة وإصلاح وتفصيل الملابس.
يطالب خالد المنظمات الدولية بضرورة توفير تدريب مناسب وملائم على عدة مهن داخل المخيم من أجل تمكين الشباب ولإكسابهم المهارات والخبرات اللازمة في العمل حتى يتمكن هؤلاء الشباب من الاعتماد على أنفسهم لاحقا بالعمل بمشاريع ذاتية مستقلة تعينهم على تأمين لقمة العيش.
ريم الخاروف
وقالت مديرة مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية بجامعة اليرموك الدكتورة ريم الخاروف، إن انخفاض حجم المساعدات الدولية وعدم وفاء بعض الجهات المانحة بالتزاماتهم تجاه ملف اللاجئين السوريين في الأردن خلال السنوات الخمس الماضية تزامنا مع ظهور جائحة كورونا وما فرضته من أعباء على المجتمع الدولي بشكل عام، ساهمت جميعها من زيادة صعوبة الظروف المعيشية للاجئي مخيم الزعتري.
وأشارت إلى أنه خلال اللقاءات الدورية للمركز تم اللقاء مع مجموعات من الطلبة السوريين الدارسين بالجامعات الأردنية والاستفسار منهم عن مدى حاجاتهم للتدريب والتأهيل بمهن معينة، تبين خلالها أن النسبة الكبرى منهم اكتسبوا من آبائهم بعض المهارات الحرفية قبل الأزمة.
وأضافت أن الشباب من الفئة العمرية التي تتراوح اعمارهم بين 16 – 18 عاما داخل مخيم الزعتري لم تتح لهم تلك الفرص بسبب صغر سنهم وقت بداية الأزمة، والآن هم بأمس الحاجة للتدريب على المهارات المتعلقة بالمهن الحرفية بما يتناسب مع حاجات سوق العمل الأردني، والعمل على إدماجهم واعتبار وجودهم فرصة للاستثمار، بحيث يتم تأهيلهم ضمن نطاق المهن المسموح للاجئين العمل بها كمهن «التمديدات الصحية وأعمال البلاط والكهرباء والنجارة والحدادة والخزف والتطريز وحياكة الأقمشة وصياغة الذهب وتصميمه والنحاسيات وغيرها» وذلك ضمن التسهيلات والتصاريح التي تُمنح للاجئي المخيمات للعمل في المجتمع لعدد من الأيام.
وبينت الدكتورة الخاروف إن مخيم الزعتري أصبح مدينة صغيرة ولا بد من تغيير نمط التعامل مع اللاجئين في مجال العمل وتنظيم القطاع ضمن برامج مدروسة وموجهة ومحددة لتمكينهم من فتح مشاريعهم الخاصة بهم، وتحديدا المنزلية منها كإعادة التدوير والحرف اليدوية وتسويقها ضمن نطاق المخيم أو المجتمع المحلي.
مشعل الفايز
وقال الناطق الرسمي باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن مشعل الفايز، ان عدد سكان المخيّم 81 الفا وعدد الكرفانات 25 الفا و عدد المحال 1800 ويعمل بها 300 نازح تقريبا.
واضاف توجد خطط لدى المفوضية من أجل دعم اللاجئين للانضمام لسوق العمل وتقوم المفوضية بالتعاون مع الشركاء بإعطاء دورات تدريبية وتأهيلية كدورات تمكين المرأة والشباب للانضمام لسوق العمل.
وأوضح  الفايز ان المهن المختلفة داخل المخيم لا تحتاج الى تصريح عمل داخل المخيم كما انه لا يوجد تراخيص للمحال داخل المخيم.
يرى الفايز أن استمرار المخيم مرهون بتوافر الدعم الكلي المقدم من المانحين، وقال إن «استمرارية المخيّم لتلبية احتياجات سكانه وتوافر الخدمات الأساسية تعتمد كلياً على الدعم المقدم من المانحين»، وعبّر عن امتنان المفوضية الدائم «لتمويل الدول والجهات المانحة عبر السنوات التي مكّنت اللاجئين من العيش الكريم».
الأردن حذر بشكل متكرر من تداعيات تراجع الدعم الدولي للاجئين، حيث إن تلبية احتياجات اللاجئين وتوفير العيش الكريم لهم مسؤولية دولية جماعية وليست مسؤولية الدول المستضيفة وحدها.
وبلغ حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية 226 مليون دولار، من أصل 2.28 مليار دولار، وبنسبة وصلت إلى 9.9%، حتى حزيران/ يونيو الماضي، وفق وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
وفي عام 2021، بلغ حجم تمويل خطة استجابة الأردن للأزمة السورية 744.4 مليون دولار، من أصل 2.43 مليار دولار، وبنسبة وصلت إلى 30.6%، وبعجز بلغ 1.687 مليار دولار من حجم موازنة سنوية مخصصة لدعم لاجئين سوريين في الأردن.
وأنشأت الحكومة الأردنية مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذين قدموا إلى الأردن بعد شهر يوليو/تموز 2012 من الأحداث التي رافقت الحرب التي اندلعت في سوريا عام 2011 حيث يقع المخيم في محافظة المفرق على بعد 85 كلم شمال شرق العاصمة الأردنية عمان وتم إنشاؤه فوق أرض صحراوية تبعد حوالي 10 كلم عن نقطة التقاء الحدود السورية الأردنية.

الدستور بتصرف