قد يتساءل البعض من أين جاء هذا العيد طالما أن ليس هناك أيَّة إشارة عن هذا الحدث في الأناجيل القانونيَّة. لطالما احتفلت الكنيسة بعيد رقاد مريم العذراء، أو عيد النياح، وهي تؤمن منذ انطلاق الكنيسة أنَّ مريم بعد موتها صعدت إلى السماء وجلست عن يمين الله ابنها لتشاركه في المجد السماويّ.
وفي سنة 1950، أعلن قداسة البابا بيُّوس الثاني عشر عقيدة انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء عقيدة إيمانيَّة. ماذا يقول التقليد الكنسيّ؟ ومن أين استقى معلوماته؟
منذ انطلاق الكنيسة، وجد الكثيرون أنَّ هناك أحداثًا كثيرة لم تدوَّن في الأناجيل. فقام البعض بابتكار أناجيل مرافقة للأناجيل القانونيَّة تغطّي النقص الوارد فيها. فدوَّنوا أحداثًا تعود إلى فترة المسيح واعتبروها كتبًا ملهمة. لكنَّ الكنيسة رفضتها واعتبرتها كتبًا منحولة لأنَّها انتحلت صفة الإلهام وهي ليست بملهمة، كما انتحلت أسماء الرسل لتثبيت نفسها بين الكتب المقدَّسة، ولكن – بسبب بعض الأخطاء التي تتنافى والإيمان – رفضتها الكنيسة ولكنَّها تستند إليها لتستقي بعض الأخبار التي لا تتنافى مع العقيدة الإيمانيَّة. فدُعيت هذه أناجيل منحولة أو رسائل منحولة أو رؤى منحولة. ماذا تقول الأناجيل المنحولة عن انتقال العذراء؟
عاشت القدّيسة مريم أيَّامها الأخيرة على جبل صهيون. وكانت كلَّ يوم تتردَّد إلى جبل الزيتون لتصلّي في المكان الذي صلَّى فيه ابنها الإلهيّ ليلة آلامه. وطلبت بعد موتها أن تُدفن في هذا المكان.
ولمَّا شعرت أنَّ حياتها أشرفت على النهاية، طلبت – بوحي إلهيّ – من رسل ابنها أن يوافيها إلى جبل صهيون لتوديعها الوداع الأخير. فأتى كلُّ رسول من مكان رسالته إلى جبل صهيون حيث عاينوا أمَّهم السماويَّة وهي تستعدُّ لترقد رقدتها الأخيرة ولتلتقي ربَّها وابنها في السماء. وفي الوقت المحدَّد من قبل الربّ، أسلمت أمُّنا مريم العذراء روحها بين يدي خالقها. فهيَّأت النساء مريم وألبسنها ثوبًا أبيض ووضعن زنَّارًا حول خصرها. وبعد أن شيَّع الرسل أمَّهم السماويَّة، حملوها بموكب ملائكيّ صوب جبل الزيتون لتوضع في مدفن خاصٍّ أقيم خصِّيصًا لها.
وخلال المسيرة حاول بعض اليهود اختراق الموكب ولكنَّ حجابًا حال بينهم وبين الموكب منعهم من الاقتراب من الموكب. ولمَّا وصلوا إلى مكان الدفن وضعوها في القبر وهم يسبِّحون الله ويمجِّدونه على هذه الأمّ السماويَّة. وفجأة سُمعت أصوات الملائكة ترنِّم مهلِّلة لأمِّ المسيح.
بعد انقضاء أيَّام ثلاثة، وصل توما الرسول آتيًا من الهند، حيث كان يبشِّر، والذي تأخَّر في المجيء لتشييع الأمِّ السماويَّة، ولمَّا وصل أورشليم توجَّه مباشرة إلى مكان رقادها، وهو يأمل أن يلقي نظرة أخيرة على أمِّه السماويَّة. وإذا به يرى مريم العذراء صاعدة بنفسها وجسدها إلى السماء. فهتف قائلاً لها: “يا أمّي الحبيبة، أعطني شيئًا منك يؤكِّد لإخوتي الرسل أنَّك قمت من بين الأموات وصعدتِ إلى السماء.” فتركت له الزنَّار الموضوع على خصرها وانطلقت صاعدة إلى السماء. فامتلأ سرورًا عظيمًا.
توجَّه توما الرسول إلى مكان العلّيَّة حيث كان التلاميذ مجتمعين، وأخبرهم بما رأى وعاين، وأراهم الزنَّار الذي تركته مريم معه. فتوجَّهوا إلى قبر العذراء فلم يسمعوا صوت نشيد الملائكة الذي استمرَّ أيَّامًا ثلاثة، ووجدوا الحجر مدحرجًا والقبر فارغًا وتأكَّدوا من صدق روايته وآمنوا بأنَّ العذراء على مثال ابنها الإلهيّ، قامت من بين الأموات في اليوم الثالث وصعدت إلى السماء لتجلس إلى جواره في الملكوت السماويّ.
ماذا نستخلص من انتقال العذراء لحياتنا الروحيَّة؟ كلُّ مؤمن بالربِّ يسوع ويعيش حياة روحيَّة عميقة على مثال العذراء مريم، لن يرى الموت أبدًا، بل هو ينتقل من الموت إلى الحياة ليقضي حياته الأبديَّة إلى جوار ربِّه في الملكوت السماويّ. إن قادنا آدم بخطيئته إلى الموت الزمنيّ، فيسوع، آدم الجديد، الذي انتصر على الموت بطاعته لأبيه السماويّ، وقام إلى الحياة الأبديَّة، يقودنا بطاعتنا له والإيمان به إلى الحياة معه في السماء.