خلال مشاركته في العاصمة الكورية سيول في المؤتمر الدولي لمنظمة سيغنيس للإعلاميين الكاثوليك تطرق باولو روفيني عميد الدائرة الفاتيكانية للاتصالات إلى مواضيع عديدة في طليعتها التناقض بين كوننا في اتصال كبير وشعورنا بالوحدة.
شارك عميد الدائرة الفاتيكانية للاتصالات باولو روفيني في المؤتمر الدولي لمنظمة سيغنيس التي تجمع العاملين في مجال الاتصالات الكاثوليكية والمنعقد في سيول عاصمة كوريا الجنوبية. وفي بداية مداخلته أعرب عن الامتنان والسعادة لحضوره هذا اللقاء، ثم توقف عند التكنولوجيا وأهميتها وما أحدثته من تغيير في العالم بل وكونها اليوم جزءً منا وهي تقوم على ابتكاراتنا وأفكارنا وقدرتنا على الربط بين المعارف، هذا إلى جانب أنها تُبرز دور الإنسان في تقدم العالم. ثم أراد عميد الدائرة الفاتيكانية التأكيد على ضرورة ألا نفقد حس المحدودية، وألا نعتقد أننا نتساوى مع الله، وألا ننسى أن هناك أشياء لا يمكن للتكنولوجيا أن تحل محلها، مثل الحرية ولقاء الأشخاص، الاندهاش أمام ما هو غير متوقَّع والمحبة المجانية.
إلا أن ما نشهد من تقدم تكنولوجي يجعلنا نعيش في تناقض حيث نحن في اتصال قوي لكننا وحيدون أيضا، وكل منا هو منغلق في ذاته، وهذه هي المشكلة، قال السيد روفيني. فحين لا يكون هناك تواصل بل مجرد اتصال، وحين لا يعود هناك الواقع بل بديل عنه فعلينا أن نتساءل وأن نفحص ضمائرنا بشكل شخصي وجماعي، وأن نجيب على بعض التساؤلات بفكر منفتح. وواصل عميد الدائرة بالتالي متسائلا كيف يمكن لنا أن نكون في اتصال قوي وفي الوقت عينه نعاني من الوحدة؟ وماذا ينقصنا كي نملأ هذا الفراغ، كي نجد مكانا فعليا لا فقط افتراضيا للقاء وكي نعيد اكتشاف قيمة الزمن الذي يمر ولا فقط اللحظات المتتابعة؟ وقال السيد روفيني إن هناك إجابات على هذه الأسئلة، إجابات هي في داخلنا ونعرفها.
الطريقة الوحيدة للرد على تحديات التكنولوجيا هي، وحسب ما واصل عميد دائرة الاتصالات، ألا نعتبرها صنما نعبده ولا شيطنتها من جهة أخرى. وتحدث روفيني بالتالي عن المسؤولية الفردية وتوقف عند إدعائنا ما لسنا عليه كي نحظى ببعض الاهتمام، ومن هذا الازدواج ينشأ فيروس الشعور بالوحدة. وتابع أننا في المقابل ندرك الفرق بين اللقاء الحقيقي والافتراضي، نعرف قوة التكنولوجيا ولكن ضعفها أيضا، نعلم أننا لسنا مجرد مستهلكين كما ولسنا مادة للاستهلاك، ونعلم أن العلاقة القائمة على المحبة هي وحدها القادرة على جعلنا أقل وحدة، هي التي يمكنها أن تستمر وأن تجعلنا سعداء. وتابع أن المحبة تقوم على هذا الضعف، تلك الحاجة إلى المحبة، أن نُحِب وأن نُحَب، أن نمنح وأن نهب أنفسنا، هذه هي جذور أي تواصل.
هذا وأراد عميد الدائرة الفاتيكانية التذكير بما كتب البابا فرنسيس في رسالته لمناسبة اليوم العالمي الـ ٥٣ للاتصالات الاجتماعية سنة ٢٠١٩، حين أكد قداسته أن جماعات شبكة التواصل الاجتماعي، في المشهد الحالي، ليست تلقائيا مرادفا للجماعة. وأنه كثيرا ما تقوم الهوية، في الشبكة الاجتماعية، على المواجهة مع الآخر ومع الغريب عن المجموعة، فيتم تحديد الذات انطلاقا مما يقسِّم بدلا مما يوحِّد، معطيا المجال للشك ولتدفق جميع أنواع الأحكام المسبقة (الاثنية، الجنسية، الدينية وغيرها). وبالتالي تصبح ما ينبغي عليها أن تكون نافذة على العالم، مجرد واجهة لعرض النرجسية.
تحدث باولو روفيني في مداخلته بالتالي عن الحاجة إلى نظرة مختلفة ومشيرا إلى أهمية شهادتنا كعاملين في مجال الاتصالات كشبكة من أشخاص يبحثون عن الحقيقة هم بناة أسلوب جديد للإعلام. وواصل عميد الدائرة مشيرا إلى التعامل مع التكنولوجيا من منطلق خدمة الخير العام ومعرفة الحدود. وتوقف هنا عند ضرورة أن نتأمل فيما فعلنا نحن كبشر في العالم، كيف استحوذنا على ما فيه وكأننا مُلاكه، وهذا هو أساس شعورنا بالوحدة رغم كوننا في اتصال كبير بل وفي اتصال مع العالم بكامله. وللخروج من هذه المفارقة، تابع باولو روفيني، علينا استعادة حس ما هو بعيد، ما يسمو على ما هو هنا الآن في هذه اللحظة وفي هذا المكان، على التكنولوجيا والسوق والمعايير الاقتصادية والأرقام. واستعار عميد الدائرة هنا حديث البابا فرنسيس عن عيشنا انتقال مرحلة، وأكد أنه وللتطلع إلى ما هو أبعد فمن الضروري أن تكون لدينا نظرة نبوية.
وعن العمل في مجال الاتصالات الكاثوليكية ذكَّر السيد روفيني بكون هذا عملا يتميز بالتشابك بين الوسائل المختلفة ما يجعل العاملين فيه في شبكة بالفعل، إلا أن هناك حاجة إلى إبداع متواضع وصبور لا يبحث عن الألعاب النارية اللحظية بل عن علاقة تطبعها الأمانة ويحركها الروح القدس الذي يوحد بيننا. وواصل أن الترياق الأفضل ضد الشعور بالوحدة هو هبة الذات للآخرين بدون انتظار الشهرة، وهو ما يتناقض مع ذلك الشعور الجشع لدى من يريدون الامتلاك فقط، والذين بأفعالهم يغذون أسوأ الأمور، الوحدة والتعاسة.
ومن بين ما توقف عنده عميد دائرة الاتصالات الفاتيكانية القدرة على أن ندع أنفسنا نندهش، مشيرا إلى أن هذه القدرة هي نقيض الاعتقاد بأننا نعرف كل شيء والرغبة في تصنيف كل شيء. وختم باولو روفيني مشددا على أهمية التركيز على اللقاء والحوار مشيرا إلى أهمية أن نقوي شبكتنا لتكون مرجعا للنقاش الثقافي على الصعيد الدولي وفي الدول المنفردة، والتعامل مع نزاع محتمل بين الحرية والمسؤولية. وأضاف أن بإمكان منظمة العاملين في مجال الاتصالات الكاثوليكية، سيغنيس، أن تساعد الكنيسة بكاملها على أن تكون شبكة لا تكتفي بالاتصال، بل تترجم رسالة الإنجيل في عالم متعدد الوسائط بدون إلغاء تاريخ وثقافة كل بلد. كما وأراد التأكيد على أن الاتصالات الفاتيكانية إن لم تفلح في بناء الشركة والشهادة لها فلن تفعل شيئا سوى محاكاة العالم.