“المسيحيّ معطى له أن يتذوّق الملكوت من هذه الأرض”، هذا ما أكّده راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران إبراهيم مخايل إبراهيم، خلال أمسية بيزنطيّة أحيتها جوقة القدّيس إستفانس المنشئ والكلّيّة القداسة الملكيّة، في كنيسة سيّدة الانتقال- الفرزل، لمناسبة عيد رقاد السّيّدة العذراء، تحت عنوان “ميناء الخلاص”، وقد أقيمت برعايته وبحضور عدد من الفعاليّات، وتخلّلتها ترانيم بيزنطيّة خاصّة بالعيد وتأمّلان عن مريم العذراء للأب جوزف جبّور.
وفي كلمته، قال إبراهيم: “لسنين كثيرة لهاتين الجوقتين اللّتين رفعتانا اليوم إلى مستوى ملائكيّ، بالحضور الإلهيّ في حياتنا وشعرنا بأنّنا أصبح لدينا جانحين بهاتين الجوقتين يحملونا عند سماعهما إلى مراتب العلى الإلهيّ ونتذوّق طعم السّماء مسبقًا ونحن ما زلنا على هذه الأرض.
المسيحيّ معطى له أن يتذوّق الملكوت من هذه الأرض. أعتقد أنّنا اليوم جميعًا قد تذوّقنا بعض الشّيء هذا الملكوت الّذي نحن فيه وهو ينتظرنا في قلبه، لكنّه لم يكتمل إلى أن نصبح فيه بالتّمام. في القدّاس الإلهيّ نحن لا نكون على الأرض، وأنتم تعرفون هذا جيّدًا، نكون في السّماء. الذّبيحة هي ذبيحة واحدة في السًماء، كلّما اشتركنا فيها على الأرض كلّما نقلتنا إلى السّماء. واليوم في مطلع هذا العيد، هذه الأمسية أدخلتنا في سرّ مريم. مريم الّتي سمعنا عنها اليوم تأمّلين من الأب جوزف جبّور. التّأمّل الأوّل يكلّمنا عن المخاطر الّتي تتعرّض لها الكنيسة اليوم، من سفر الرّؤيا، وكيف أنّ الملكة المتوّجة والملتحفة بالشّمس هي أيضًا رأت التّنّين وشعرت بالخطر الدّاهم، ومن ثمّ النّهر المتدفّق نحوها من أجل إغراقها. لا يوجد وصف أدقّ من هذا النّهر المتدفّق باتّجاهنا ويريد إغراقنا اليوم في هذا الوطن العزيز لبنان. لكن نحن ننسى كيف انشقّت الأرض وابتلعت النّهر. الله له القدرة على خلاصنا في كلّ لحظة. عندما يأمر بأن تنشقّ الأرض وتبتلع الخطر الدّاهم علينا، يجب أن يكون لدينا الإيمان أنّ هذا الخطر لا يستطيع أن يغلب قوّة الله في حياتنا. إذا كان لنا الإيمان يعني أنّ لنا كلّ الأمان، كلّ السّلام، كلّ الخلاص.
وفي التّأمّل الثّاني رأينا كيف أمرت مريم ابنها يسوع في قانا الجليل عندما انسدّت الجدران أمام الحاضرين ولم يبقَ عندهم خمر، ونحن اليوم عشنا بعض هذه التّجربة لأنّنا لم نستطع في مرحلة معيّنة أن نؤمّن الخبز لأولادنا. لا نستطيع أن نرى أنّ انقطاع الرّغيف وانقطاع الخيرات الزّمنيّة ممكن أن تنتهي في لحظة بقوّة يسوع وطلب العذراء مريم وشفاعتها. إذا استسلمنا للخوف واليأس ووقفنا أمام الأبواب المغلقة، لن ينفتح لنا باب لأنّ ليس لنا إيمان وليس لأنّ الباب مغلق إلى الأبد لكن لأنّ إيماننا الضّعيف أغلق فينا القلب والأمل والرّجاء واستسلمنا للخوف والقلق واليأس وأصبحنا نبيع إيماننا بأرخص الأثمان. عندما زرتكم في المرّة الأخيرة قلت إنّ الفرزل هي قلعة الكثلكة وأضفت أنّ الفرزل هي مدينة العذراء واليوم أشعر أنّ الفرزل هي حضن العذراء الّذي لا يجب على أحد من أولادها أن يسرقه. تخايلوا أن يسرق منها أولادها بسبب هجمات تبشيريّة بروتستانتيّة أو غيرها تستغلّ الأزمة الّتي نعيشها، تستغلّ أنّنا واقفون أمام نهر متدفّق قد يغرقنا ويميتنا ويشتروننا برغيف، وبثمن زهيد كما يهوذا باع السّيّد المسيح. نبيع إيماننا وأنفسنا ونترك حضن العذراء وهذه المدينة المريميّة الفرزل، لكي ننعم ببعض الرّاحة الزّمنيّة المادّيّة الّتي تخسرنا من ناحية إيماننا وربّما أشبعتنا في بعض حاجاتنا الجسديّة والمادّيّة.
أتمنّى عليكم جميعًا، من الآباء الكهنة، من جوقاتنا، من خدام هياكلنا، من مسؤولينا المدنيّين الزّمنيّين ومسؤولينا الرّوحيّين، من راهباتنا ومدارسنا، لا تسمحوا أن يسرق أحد أبنائنا من حضن مريم مهما كان الثّمن. يجب أن نبقى معًا في حضن مريم لأنّنا لا نعرف كم هي الخسارة كبيرة إذا خسرنا هذا الحضن. حضن مريم هو خلاصنا، هو دفئنا، هو أماننا، هو الضّمانة بأنّنا اليوم نحن في الملكوت لأنّنا في هذا الحضن. حضن مريم يعني الكثير.
أشكر أعضاء الجوقتين الّذين تركوا كلّ شيء وأتوا من عدّة مناطق من لبنان ليكرّموا مريم في عيدها، عيد انتقالها إلى السّماء. وسيّدة النّياح في الفرزل هي الكرسيّ الأولى لأبرشيّتنا التّاريخيّة، وأنا عندما أكون بينكم أكون في كرسيّ أبرشيّتي وأشعر بأمان كبير، وأشعر أنّي في حضن مريم وفي حضن تاريخ كنيستنا الملكيّة في هذه المنطقة الّذي ابتدأ من الفرزل، والمستمرّ. حضن الفرزل كان ملجأ الكنيسة في أيّام المخاطر، في أيّام الحاجات الصّعبة، حتّى في أيّام المجاعات. هل من المعقول أن يوقف حضن الفرزل هذه الرّسالة؟ بالتّأكيد لا. حضن الفرزل ما يزال حضن الكنيسة الملكيّة، وكلّ المؤمنين الحقيقيّين الّذين هم من عمر تاريخ الكنيسة ومن نشأتها الّذين يريدون التّبشير. أهلاً بهم ولكن عليهم تبشير غير المؤمنين وغير المسيحيّين وليس أولادنا، إنّهم بحاجة للكثير قبل الوصول إلى منزلتنا لكي يبشّرونا”.