كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهراً عندما أطل البابا فرنسيس كعادته ظهر كل أحد من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي بالفاتيكان ليتلو مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس صلاة التبشير الملائكي. وتحدث اليوم عن أهمية أن تُقاس حياة المسيحي في ضوء المسيح، وتؤسَّس عليه وتتمثل به، مشيرا إلى وجود الكثير من الأشخاص الذين لا يختارون الباب الواسع، باب راحتهم، بل يختارون باب يسوع الضيّق، وحياةً مكرسة للمحبة.
قال البابا: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، طاب يومكم! في مقطع إنجيل القديس لوقا، الذي تقترحه علينا الليتورجيا هذا الأحد، يسأل أحدهم يسوع قائلا: “أقليلون هم الذين سيخلصون؟”. فيجيبه الرب: “اجتهدوا لتدخلوا من الباب الضيق”. إن الباب الضيق، قال فرنسيس، هو صورة يمكن أن تخيفنا، كما لو أن الخلاص يقتصر على قلة من المختارين أو الكاملين. لكن هذا الأمر يتعارض مع ما علمه الرب يسوع في العديد من المناسبات الأخرى، وقد أكد بعد ذلك بقليل أنهم “سيأتون من الشرق والغرب، من الشمال والجنوب وسيجلسون إلى مائدة ملكوت الله”. إذا هذا الباب ضيق، لكنه مفتوح أمام الجميع! لا تنسوا هذا، الباب مفتوح أمام الجميع!
مضى البابا يقول: كي نفهم بذلك شكل أفضل لا بد أن نتساءل ما هو هذا الباب الضيق. إن يسوع اقتبس هذه الصورة من حياة ذلك الزمان، ويبدو أنه يشير إلى المساء، عندما تُقفل أبواب المدينة ويبقى باب واحد مفتوحاً، باب أصغر وأضيق من باقي الأبواب: وبغية العودة إلى البيت لا بد من عبور ذلك الباب.
أضاف الحبر الأعظم يقول: لنفكر إذا بما قاله يسوع “أنا الباب: إذا دخل أحد من خلالي يخلص”. لقد أراد أن يقول لنا إنه بغية الدخول في حياة الله، في الخلاص، لا بد من المرور من خلاله هو، لا بد من قبوله وقبول كلمته. كما عندما يدخل الإنسان إلى المدينة، عليه أن يعبر الباب الضيق الوحيد الذي ما يزال مفتوحا ويكون على مقياسه، وهكذا إن حياة المسيحي يجب أن تقاس في ضوء المسيح، وتؤسَّس عليه وتتمثل به. هذا يعني أن المقياس هو يسوع وإنجيله: لا ما نفكر به نحن، بل ما يقوله هو. إذا إنه باب ضيق، ليس لأنه مخصص لقلة من الناس، لا، بل لأن الانتماء إلى يسوع يعني اتّباعه، والالتزام في عيش المحبة، والخدمة ووهب الذات كما فعل هو، الذي مر عبر الباب الضيق، باب الصليب. إن الدخول في مشروع الحياة الذي يقترحه علينا الله يتطلب تقليص مساحة الأنانية والادعاء بالاكتفاء الذاتي، ويتطلب احتواء الغرور والغطرسة، وتخطي الكسل من أجل ولوج مغامرة المحبة، حتى عندما يقتضي ذلك درب الصليب.
بعدها قال البابا فرنسيس: لنفكر بطريقة ملموسة في أعمال المحبة التي نقوم بها يوميا بجهد كبير: لنفكر بالوالدين الذين يكرسون أنفسهم للأبناء، مقدمين التضحيات ومتخلين عن الاهتمام بأنفسهم؛ لنفكر بمن يعتنون بالآخرين، وليس بمصالحهم وحسب وهم كثيرون؛ لنفكر بمن يكرس نفسه لخدمة المسنين، والفقراء والأكثر هشاشة؛ لنفكر بمن يعمل بجهد متحملاً الصعوبات وأحياناً سوء الفهم؛ لنفكر بمن يتألم بسبب إيمانه، لكنه يواظب على الصلاة والمحبة؛ لنفكر بمن لا يتبعون غرائزهم ويردون على الشر بالخير، ويجدون قوة المغفرة وشجاعة البداية من جديد. هذه هي بعض الأمثلة فقط على أشخاص لا يختارون الباب الواسع، باب راحتهم، بل يختارون باب يسوع الضيّق، وحياةً مكرسة للمحبة. إن هؤلاء الأشخاص، يقول الرب اليوم، سيتعرف عليهم الآب أكثر ممن يعتقدون أنهم مخلّصون، لأنهم في الواقع “يعملون البرّ”.
في ختام كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي ظهر الأحد قال البابا فرنسيس: أيها الأخوة والأخوات، إلى جانب من نريد أن نكون؟ أنفضل الدرب السهلة، درب التفكير بأنفسنا فقط، أم نختار باب الإنجيل الضيق، الذي يتعارض مع أنانيتنا لكنه يجعلنا قادرين على قبول الحياة الحقيقية التي يمنحنا إياها الله والتي تُسعدنا؟ أين نريد أن نكون؟ لتساعدنا العذراء مريم، التي تبعت يسوع لغاية الصليب، على أن نقيس حياتنا بحسبه هو، كي ندخل ملء الحياة، الحياة الأبدية.