البابا: أن اللاهوت تأمل دائما في العلاقة بين سر الانتقال الفريد والموت

في مقابلة الأربعاء العامة مع المؤمنين البابا فرنسيس يختتم تعليمه حول الشيخوخة.

اختتم البابا فرنسيس صباح يوم الأربعاء في المقابلة العامة مع المؤمنين تعليمه حول الشيخوخة، وانطلق في حديثه من الاحتفال قبل فترة قصيرة بانتقال مريم العذراء بالجسد والنفس إلى السماء.

وواصل البابا تعليمه الأسبوعي خلال المقابلة العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس في الفاتيكان.

وأراد الأب الأقدس أن يختتم هذا الأسبوع تعليمه حول الشيخوخة متوقفا عند الاحتفال قبل فترة قصيرة بعيد انتقال السيدة العذراء بالجسد والنفس إلى السماء. وقال البابا إن هذا السر ينير اكتمال النعمة التي شكلت مصير مريم كما وينير أيضا مصيرنا نحن. وأشار قداسته إلى تصوير الغرب انتقال مريم العذراء إلى السماء مرتفعة إلى العُلى ومحاطة بنور مجيد بينما يصورها الشرق مستلقية، راقدة، يحيط بها الرسل وهم يُصلُّون، بينما يحملها يسوع بين يديه مثل طفلة.
وتابع البابا فرنسيس أن اللاهوت قد تأمل دائما في العلاقة بين سر الانتقال الفريد هذا والموت، علاقة لم تحددها العقيدة، وأضاف أنه يرى أن من الأهم توضيح علاقة هذا السر بقيامة الابن من بين الأموات، التي تفتح لنا جميعا طريق الولادة على الحياة. وواصل الأب الأقدس أنه في العمل الإلهي الذي جمع بين مريم والمسيح القائم من بين الأموات لم يتم فقط تجاوز الفساد الجسدي الطبيعي للموت البشري، بل لقد تم استباق الاكتساب الجسدي لحياة الله، تم استباق القيامة كمصير يتعلق بنا، فحسب الإيمان المسيحي يسوع هو الابن البكر من بين أخوة وأخوات كثيرين، الرب القائم هو أول مَن قام ومَن ذهب إلى حيثما سنذهب نحن، قال البابا، هذا هو مصيرنا: القيامة.
وواصل البابا فرنسيس أنه يمكن الحديث، وانطلاقا من كلمات يسوع إلى نيقوديموس حول الميلاد من الروح، عن ولادة ثانية. فبعد الولادة على الأرض تأتي هذه الولادة الثانية في السماء. وأشار الأب الأقدس هنا إلى اختيار بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما الحديث عن آلام المخاض، وتابع البابا أننا نحن أنفسنا أولئك الذين خرجوا من بطن أمهاتهم، نحن الكائنات البشرية ذاتها التي كانت في بطن أمهاتها والتي تولد من جديد في السماء في فضاء الله، نظل نحن أنفسنا مَن كانوا يسيرون على الأرض. وواصل قداسته أن هذا ما حدث ليسوع، فالقائم من بين الأموات هو دائما يسوع، فهو لم يفقد إنسانيته ولا خبرة حياته الّتي عاشها، ولا حتى شخصيته الجسدية، لأنه من دونها لن يكون هو.
أراد الأب الأقدس بعد ذلك لفت الأنظار إلى خبرة التلاميذ والذين ظهر لهم يسوع بعد موته كاشفا لهم الجروح التي كانت ختما لفدائه، ولكن لا كعلامة للآلام التي مر بها بل كأدلة لا تُمحى لمحبته الأمينة حتى النهاية. وتابع البابا أن يسوع القائم في الجسد يعيش في حميمية الله الثالوثية والتي لا يفقد فيها الذكريات أو يبتعد عن تاريخه أو يلغي العلاقات التي عاشها على الأرض، فقد وعد أصدقاءه: “وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون” (يوحنا ١٤، ٣). وتابع البابا أن يسوع قد ذهب كي يُعد لنا جميعا مكانا وسيأتي بعد ذلك لكل واحد منا ليبحث عنا ويحملنا إليه. وبهذا المعنى، قال قداسة البابا، فإن الموت هو بشكل ما اللقاء مع يسوع الذي ينتظرني ليأخذني إليه. وتابع أن القائم يعيش في عالم الله حيث هناك مكان للجميع وأرض جديدة وتُبنى المدينة السماوية، المسكن النهائي للإنسان.
ذكَّر البابا فرنسيس من جهة أخرى بأن يسوع وحين يتحدث عن ملكوت الله فإنه يصفه كمأدبة عرس، كحفل مع الأصدقاء وكعمل من أجل هذا البيت ومفاجأة تجعل الحصاد أثرى من الزرع. ودعا الأب الأقدس هنا إلى أخذ كلمات الإنجيل حول الملكوت مأخذ الجد لأن هذا سيُفعِّل حساسيتنا لننعم بمحبة الله الفاعلة والمبدعة، وسيجعلنا في تناغم مع الوجهة الفريدة لما نزرع من حياة. ثم وجه البابا الحديث إلى المسنين مشددا على أهمية التفاصيل في هذه المرحلة من الحياة، تفاصيل ولفتات تصبح أكثر قوة، مثل الملاطفة والابتسامة والروابط الأمينة. وتابع أن جوهر الحياة في هذه السن يبدو لنا واضحا بقوة، وحكمة الشيخوخة هذه هي ما يضيء حياة الأطفال والشباب والبالغين والجماعات بكاملها. وتابع البابا أن حياتنا بكاملها تبدو كبذرة يجب غرسها تحت الأرض لتُزهر وتثمر، فهي ستولد مع بقية العالم، ولن يكون هذا بدون مخاض أو ألم، لكنها ستولد. وأضاف: هكذا ستكون حياة جسدنا القائم من بين الأموات، حية مائة وألف مرة أكثر مما عشناها علَى هذه الأرض.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي ذكّر البابا فرنسيس بأن يسوع كان يُعد السمك بينما كان ينتظر التلاميذ على شاطئ البحيرة ثم قدم لهم هذا السمك. وقال الأب الأقدس إن فعل المحبة الحنون هذا يجعلنا نتخيل ماذا ينتظرنا حين سنتوجه إلى الشاطئ الآخر. وختم قداسته أن أجمل ما في الحياة لم يُرَ بعد، وتضرع إلى مريم أم الله كي تعيد إلينا قلق الانتظار، لأننا لا نتحدث عن انتظار مخدَّر، انتظار يطبعه الملل.
كما وأشار أن هناك خوفا من هذا الانتقال، إلا أن هناك دائما يد الله التي تحملنا إلى الأمام، وما أن نعبر تلك البوابة حتى سنجد الاحتفال.