على متن الطائرة التي حملته إلى روما، أجاب البابا فرنسيس على أسئلة الصحفيين الذين رافقوه إلى كازاخستان ويعود للحديث عن الحرب في أوكرانيا، والحق في الدفاع عن النفس، والاتجار بالأسلحة. لكنه يتحدث أيضًا عن دور السياسة والغرب في أزمة القيم التي تهدد بخلق الشعبوية. وردًا على سؤال حول الوضع في ألمانيا، أوضح البابا فرنسيس أن الكنيسة بحاجة إلى رعاة وليس إلى خطط رعوية.
زنات أخميتوفا، TV AGENCY KHABAR
“صباح الخير أيها الأب الأقدس. شكرا جزيلا لزيارتكم لكازاخستان، ما هي نتيجة زيارتكم لجذور شعبنا، وما الذي ألهمكم؟”
البابا فرنسيس
“لقد كانت مفاجأة بالنسبة لي أيضًا. لأنني عن آسيا الوسطى – باستثناء موسيقى بورودين – لم أكن أعرف شيئًا. لقد كانت مفاجأة بالنسبة لي أن ألتقي بممثلي هذه الدول. وكانت كازاخستان أيضًا مفاجأة حقًا لأنني لم أتوقعها على هذا النحو. كنت أعرف أنها دولة، تطورت جيدًا، وبذكاء. لكن أن أجد مثل هذا التطور بعد ثلاثين عامًا من الاستقلال لم أكن أتوقع ذلك. ثم إنه بلد كبير، بتسعة عشر مليون نسمة … إنه أمر لا يُصدق. إنه بلد منضبط جدًا وجميل. مع العديد من الأشياء الجميلة: الهندسة المعمارية للمدينة متوازنة ومرتبة بشكل جيد. والمدينة حديثة، مدينة يمكنني أن أقول “من المستقبل”. وهذا ما أدهشني كثيرًا: الرغبة في المضي قدمًا ليس فقط في الصناعة، وفي التنمية الاقتصادية والمادية، وإنما أيضًا في التنمية الثقافية. كانت مفاجأة لم أكن أتوقعها. ومن ثم المؤتمر … شيء مهم جدًا. إنها النسخة السابعة؛ مما يعني أنها دولة لديها بُعد نظر، تسمح لمن يتم تهميشهم عادة بأن يحاوروا. لأن هناك مفهومًا تقدميًا للعالم وبحسبه أول ما يتم إقصاؤه هي القيم الدينية. إنها دولة تخرج على العالم بمثل هذا الاقتراح … وقد تم عقد هذا المؤتمر سبع مرات، وبالتالي إنه أمر رائع! ثم إذا كان لدي الوقت، فسأعود إلى هذا اللقاء بين الأديان. يمكنك أن تفتخر ببلدك وبوطنك.
روديجر كرينتالر ARD
“أيها الأب الأقدس شكرًا على رسالتكم، رسالة السلام. أنا ألماني كما تسمعون من لهجتي، وشعبي كان مسؤولاً عن ملايين الوفيات لثمانين سنة خلت. أود أن أطرح سؤالاً حول السلام، نظرًا لأن شعبي مسؤول عن ملايين القتلى، نحن في المدرسة نتعلم أنه يجب ألا نستخدم الأسلحة مطلقًا، وألا نستخدم العنف أبدًا: الاستثناء الوحيد هو الدفاع عن النفس. هل تعتقدون أنّه علينا أن نعطي السلاح لأوكرانيا في هذه المرحلة؟”
البابا فرنسيس
“هذا قرار سياسي، ويمكنه أن يكون أخلاقياً، أو مقبولاً أخلاقياً، إذا تم إتخاذه وفقاً لشروط الأخلاق، وهي كثيرة ومن ثمَّ يمكننا أن نتحدّث عنها. ولكن يمكنه أن يكون غير أخلاقي إذا تم القيام بذلك بقصد التسبب في مزيد من الحرب أو بيع الأسلحة أو التخلص من تلك الأسلحة التي لم أعد بحاجة إليها. الدافع هو الذي يحدد أخلاقيات هذا الفعل. إن الدفاع عن النفس ليس مشروعًا فحسب، بل هو تعبير عن حب الوطن أيضًا. إن الذي لا يدافع عن نفسه، والذي لا يدافع عن شيء ما، فهو لا يحبه، أما الذي يدافع، فهو يحب. وهنا نتطرق إلى شيء آخر قلته في إحدى خطاباتي، وهو أنه يجب علينا أن نفكّر في مفهوم الحرب العادلة. لأن الجميع يتحدثون عن السلام اليوم: منذ سنوات عديدة، منذ سبعين عامًا تتحدث الأمم المتحدة عن السلام، وقد ألقت العديد من الخطب حول السلام. لكن كم عدد الحروب الجارية الآن؟ تلك التي ذكرتها، أوكرانيا – روسيا، الآن أذربيجان وأرمينيا التي توقفت قليلاً لأن روسيا خرجت كضامن، تضمن السلام هنا وتشنُّ الحرب هناك … ثم هناك سوريا، عشر سنوات من الحرب، ماذا يحدث هناك ولماذا لا تتوقف؟ ما هي المصالح التي تحرك هذه الأشياء؟ من ثم هناك القرن الأفريقي، ثم شمال الموزمبيق أو إريتريا وجزء من إثيوبيا، ثم ميانمار مع هذا الشعب المعذب الذي أحبه كثيرًا، الروهينجا الذين ويدورون ويدورون مثل الغجر ولا يجدون السلام. لكننا في حرب عالمية، من فضلكم… أتذكر شيئًا شخصيًا، عندما كنت طفلاً، كنت في التاسعة من عمري. أتذكر أنني سمعت صوت إنذار أكبر صحيفة في بوينس آيرس: في ذلك الوقت كان هذا الصوت علامة للاحتفال أو لإعطاء أخبار سيئة، – الآن لم يعد كذلك – ولكنّه كان يُسمع في جميع أنحاء المدينة. قالت أمي: “لكن ما الذي يحدث؟” كنا في حالة حرب في عام ١٩٤٥. وجاءت إحدى الجارات إلى المنزل لتقول: “دق ناقوس الخطر …” وكانت تبكي، “انتهت الحرب!”. واليوم أرى أمي والجارة تبكيان من الفرح لأن الحرب قد انتهت، في بلد في أمريكا الجنوبية، بعيد جدًا! لقد كانتا تعرفان أن السلام أعظم من كل الحروب وبكيتا من الفرح عندما حلَّ السلام. لن أنسى أبدًا هذا الحدث. وأسأل نفسي: لا أعرف ما إذا كانت قلوبنا اليوم تعرف كيف تبكي من الفرح عندما نرى السلام. كل شيء تغير. إذا لم تشن حربًا، فأنت لست مفيدًا! ثم هناك صنع الأسلحة. إنها تجارة قاتلة. أخبرني شخص يفهم في الإحصائيات أنه إذا توقف صنع الأسلحة لمدة عام، فسوف تحلُّ أزمة الجوع كلها في العالم … لا أعرف ما إذا كان هذا صحيحًا أم لا. لكن الجوع والتعليم … هذا غير ممكن لأنه عليهم أن يصنعوا الأسلحة. في جنوة قبل بضع سنوات، لثلاث أو أربع سنوات خلت، وصلت سفينة محملة بالأسلحة كان من المقرر نقلها إلى سفينة أكبر كانت متوجهة إلى إفريقيا، بالقرب من جنوب السودان. لكنَّ عمال الميناء لم يرغبوا في فعل ذلك، لقد كلفهم ذلك كثيرًا، ولكنهم قالوا: “أنا لا أتعاون”. إنها حكاية ولكنها تجعل الضمير يشعر بالسلام. لقد تحدثت عن وطنك. من الأشياء التي تعلمتها منكم هي القدرة على التوبة وطلب المغفرة عن أخطاء الحرب. ولكن ليس طلب المغفرة وحسب، وإنما دفع ثمن أخطاء الحرب أيضًا: وهذا أمرٌ لصالحكم. إنه مثال يجب التشبّه به. إنَّ الحرب في حدِّ ذاتها هي خطأ، إنها خطأ! ونحن في هذه المرحلة نتنفس هذا الهوا: إذا لم يكن هناك حرب يبدو أنه لا توجد حياة. ربما بشكل فوضوي قليلاً لكني قلت كل ما أريد أن أقوله عن الحرب العادلة. لكن الحق في الدفاع عن النفس نعم، ذلك نعم، ولكن يجب استخدامه عند الضرورة”.
سيلفيا ويسوكا، PAP
“أيها الأب الأقدس، لقد قلتم: لا يمكننا أبدًا تبرير العنف. ولكن كل ما يحدث في أوكرانيا الآن هو عنف خالص، وموت، ودمار شامل من قبل روسيا. نحن في بولندا لدينا حرب قريبة جدًا من أبوابنا، مع مليوني لاجئ. أود أن أسأل ما إذا كان هناك في رأيكم خط أحمر لا ينبغي تخطذيه: نحن منفتحون على الحوار مع موسكو. لماذا يجد الكثيرون صعوبة في فهم هذه الجهوزيّة. وأود أيضًا أن أسأل عما إذا كانت الرحلة القادمة ستكون إلى كييف”
البابا فرنسيس
“سأجيب على هذا السؤال، لكنني أفضل أن تطرح الأسئلة حول الزيارة أولاً … أعتقد أنه من الصعب دائمًا أن نفهم الحوار مع الدول التي بدأت الحرب، ويبدو أن الخطوة الأولى كانت من هناك، من ذلك الجانب. الحوار صعب لكن يجب أن نستبعده، يجب أن نعطي فرصة الحوار للجميع! لأن هناك في الحوار على الدوام احتمال بأن تتغير الأشياء، وكذلك احتمال تقديم وجهة نظر أخرى. أنا لا أستبعد الحوار مع أي قوة سواء كانت في حالة حرب أو كانت هي المعتدي … أحياناً يجب أن يتمَّ الحوار على هذا النحو، لكن يجب أن يتم. بخطوة إلى الأمام دائمًا وبيد ممدودة على الدوام! لأننا إن لم نقم بذلك فنحن نغلق الباب المعقول الوحيد للسلام. أحيانًا لا يتمُّ قبول الحوار، وهذا أمر مؤسف! لكن يجب أن يتمَّ الحوار على الدوام، أو أن يُقترح على الأقل، وهذا الأمر يفيد من يقترحه؛ يجعله يتنفس”.
لوب بيسموند دي سينفيل، LA CROIX
“صاحب القداسة، شكرًا جزيلاً على هذه الأيام في آسيا الوسطى. خلال هذه الرحلة كان هناك الكثير من الحديث عن القيم والأخلاق، ولا سيما خلال المؤتمر بين الأديان، أثار بعض الزعماء الدينيين ضياع الغرب بسبب تدهوره الأخلاقي. ما هو رأيكم في هذا؟ هل تعتبرون أن الغرب هو في حالة ضياع ومهدد بفقدان قيمه؟ أفكر بشكل خاص في النقاش حول القتل الرحيم، ونهاية الحياة، وهو النقاش الذي دار في إيطاليا، وإنما أيضًا في فرنسا وبلجيكا”.
البابا فرنسيس
“صحيح أن الغرب، بشكل عام، ليس على أعلى مستوى من المثالية في الوقت الحالي. إنه ليس طفل المناولة الأولى، ليس حقًا. لقد سلك الغرب الطريق الخطأ، لنفكر على سبيل المثال في الظلم الاجتماعي الموجود بيننا، هناك بعض البلدان التي تطورت قليلاً في مجال العدالة الاجتماعية، لكنني أفكر في قارتي، أمريكا اللاتينية التي هي الغرب. لنفكر أيضًا في البحر الأبيض المتوسط، وهو الغرب أيضًا: وهو اليوم أكبر مقبرة، لا لأوروبا وحسب، وإنما للبشرية. ماذا فقد الغرب لكي ينسى الضيافة فيما هو بحاجة للأشخاص. عندما نفكر في الشتاء الديموغرافي الذي نعيشه: هناك حاجة للأشخاص: في إسبانيا – في إسبانيا بشكل خاص – وكذلك في إيطاليا هناك بلدات فارغة، فيها عشرون سيدة مسنّة فقط لا غير. ولكن لماذا لا نضع سياسة غربية يتم فيها إدخال المهاجرين بمبدأ أنه يجب قبول المهاجر ومرافقته وتعزيزه وادماجه؟ إن الإدماج هو أمر مهم جدًا، ولكن “لا”، نترك البيوت فارغة. إنه نقص في فهم القيم، عندما عاش الغرب هذه التجربة، نحن بلدان مهاجرين. في بلدي – التي أعتقد أنها تضمُّ ٤٩ مليونًا في الوقت الحالي – لدينا فقط نسبة مئوية تقل عن مليون نسمة من السكان الأصليين، وجميع الآخرين هم من أصول مهاجرة. جميعهم: إسبان، إيطاليون، ألمان، سلاف وبولنديون، من آسيا الصغرى، لبنانيون، جميعهم… لقد اختلط الدم هناك وهذه الخبرة ساعدتنا كثيرًا. ولكن الآن ولأسباب سياسية، لا تسير الأمور جيّدًا في بلدان أمريكا اللاتينية، لكنني أعتقد أنه يجب النظر إلى الهجرة بجدية في هذه اللحظة لأنها تجعلكم ترفعون القيمة الفكرية والودية للغرب قليلاً. أما مع هذا الشتاء الديموغرافي، فإلى أين نحن ذاهبون؟ إنَّ الغرب هو في حالة تدهور حول هذه النقطة، لقد خسر … لنفكر في الجزء الاقتصادي: يتمُّ القيام به بشكل جيّد، ولكن لنفكر في الروح السياسية لشومان وأديناور ودي غاسبري وروحانيتهم، هؤلاء العظماء: أين هم اليوم؟ هناك عظماء، لكنهم لا يستطيعون أن يمضوا قدمًا في المجتمع. يحتاج الغرب إلى أن يرفع صوته، ويحترم نفسه، ومن ثم هناك خطر الشعبوية. ماذا يحدث في دولة لاجتماعية وسياسية من هذا النوع؟ يولد المسحاء: مُسحاء الشعبوية. نحن نرى كيف تولد الشعبوية، وأعتقد أنني ذكرت في بعض المرات كتاب غينزبيرج، متلازمة ١٩٣٣، الذي يخبرنا كيف ولدت الشعبوية في ألمانيا بعد سقوط حكومة فايمار. تولد الشعبوية على هذا النحو: عندما يكون هناك مستوى متوسِّطي بدون قوة، ويعده أحدهم بالمسيح. أعتقد أننا نحن الغربيين لسنا على أعلى مستوى لكي نساعد الشعوب الأخرى، وإنما نحن في حالة تدهور بعض الشيء. ربما، نعم، لكن علينا أن نستعيد القيم، قيم أوروبا، قيم الآباء المؤسسين العظماء الذين أسسوا الاتحاد الأوروبي. لا أعرف، أنا مرتبك بعض الشيء، لكن أعتقد أنني قد أجبت.
لوب بيسموند دي سينفيل، LA CROIX
“وحول الموت الرحيم؟”
البابا فرنسيس
“إن القتل ليس أمرًا بشريًا، إذا قتلت بدوافع، نعم … في النهاية ستقتل أكثر فأكثر. لنترك القتل للوحوش”.
ياكوبو سكاراموتسي، La Repubblica
أود التعقيب على السؤال الأخير: لقد سلطتم الضوء في خطاباتك وبشكل مكثف على العلاقة القائمة بين القيم، القيم الدينية وحيوية الديمقراطية. ماذا ينقص قارتنا الأوروبية، بحسب رأيكم؟ ماذا يتعين عليها أن تتعلم من خبرات الآخرين؟ واسمحوا لي أن أضيف شيئا آخر: بعد بضعة أيام سيمارس الإيطاليون الديمقراطية، وسيشاركون في الانتخابات وستبصر النور حكومة جديدة. عندما ستلتقي برئيس الحكومة المقبلة، أو برئيسة الحكومة المقبلة، ماذا ستنصحهونه أو ستنصحونها؟ ما هي برأيكم الأولويات بالنسبة لإيطاليا؟ ما هي مخاوفكم؟ والأخطار الواجب تفاديها؟
البابا فرنسيس
أعتقد أني سبق أن أجبتُ على هذا السؤال خلال السفرة الأخيرة. لقد تعرفتُ على رئيسين إيطاليين، من أعلى المستويات: نابوليتانو والرئيس الحالي. إنهما رجلان عظيمان. أما باقي القادة السياسيين فلا أعرفهم. خلال السفرة الأخيرة، سألت أحد معاوني من أمناء السر عن عدد الحكومات التي تعاقبت في إيطاليا خلال هذا القرن: عشرون حكومة. لا أدري كي أفسر ذلك. لا أدين ولا أنتقد، لا أعرف كي أفسر ذلك بكل بساطة. إذا تعاقبت الحكومات بهذا الشكل فثمة العديد من التساؤلات التي تُطرح. كي يكون اليوم المرء سياسياً، أو سياسيا عظيما، فالطريق صعبة: سياسي يكرس نفسه لخدمة الوطن والقيم العليا، لا لمصالحه الخاصة والمنصب والرخاء. يتعين على البلدان، من بينها إيطاليا، أن تبحث عن مسؤولين سياسيين عظماء، يكونون قادرين على ممارسة العمل السياسي، الذي هو فن. السياسة هي دعوة نبيلة. أعتقد أن أحد البابوات – لا أعرف ما إذا كان بيوس الثاني عشر أو بولس السادس – قال إن السياسة هي شكل من أسمى أشكال المحبة. علينا أن نكافح كي نساعد مسؤولينا السياسيين في الحفاظ على مستوى السياسة الراقية، لا السياسة الرخيصة التي لا تساعد إطلاقا، بل على العكس إنها تعود بالدولة إلى الوراء، وتُفقرها. على السياسة اليوم في البلدان الأوروبية أن تُمسك بزمام المشاكل كتلك المتعلقة – على سبيل المثال – بالشتاء الديمغرافي، ومسألة النمو الصناعي، والنمو الطبيعي، ومشكلة المهاجرين … ينبغي على السياسة أن تواجه المشاكل بجدية كي نسير إلى الأمام. إني أتحدث عن السياسة بصورة عامة. أنا لا أفهم السياسة الإيطالية: أفهم فقط تعاقب عشرين حكومة خلال عشرين عاما، هذا أمر غريب، لكن لكل بلد طريقته في رقص التانغو. يمكن أن يُرقص بطرق مختلفة، والسياسية يمكن أن تُرقص بطرق مختلفة. على أوروبا أن تستفيد من باقي الخبرات، ثمة خبرات جيدة، وأخرى لا تجدي نفعا. لكن عليها أن تكون منفتحة، وينبغي على كل قارة أن تكون منفتحة على خبرات الآخرين.
إليز ألان، Crux
شكراً على حضوركم معنا هذا المساء. لقد تحدثتم يوم أمس خلال المؤتمر عن أهمية الحرية الدينية، وكما تعلمون، لقد وصل في اليوم نفسه إلى المدينة رئيس الصين، حيث تُثير هذه المسألة القلقَ منذ فترة طويلة، خصوصا اليوم مع المحاكمة التي يتعرض لها الكاردينال زين. هل تعتبرون هذه المحاكمة انتهاكاً للحرية الدينية؟
البابا فرنسيس
كي نفهم الصين نحتاج إلى قرن من الزمن ونحن لا نعيش لقرن! الذهنية الصينية هي ذهنية غنية، وعندما تتعرض لوعكة تفقد الغنى، وتصبح قادرة على ارتكاب الأخطاء. ولكي نفهم اخترنا درب الحوار، ونحن منفتحون على الحوار. هناك لجنة ثنائية فاتيكانية – صينية تعمل بشكل جيد، لكن ببطء لأن الوقع الصيني بطيء، لديهم الأبدية كلها! إنه شعب يتمتع بصبر لامتناه. استناداً إلى الخبرات السابقة نفكر بالمرسلين الإيطاليين الذين ذهبوا إلى هناك، وعوملوا باحترام كعلماء؛ نفكر اليوم أيضا بالعديد من الكهنة والأشخاص المؤمنين الذين دعتهم الجامعة الصينية لأن هذا الأمر يعطي قيمة للثقافة. ليس من السهل أن نفهم الذهنية الصينية، لكن لا بد من احترامها، وأنا أحترمها دائما. وتوجد هنا في الفاتيكان لجنة للحور تعمل بشكل جيد، يرأسها الكاردينال بارولين وهو حالياً أكثر من يعرف عن الصين وعن الحوار الصيني. المسألة بطيئة لكن تُحقَّق دائماً خطواتٌ إلى الأمام. لا أود أن أصف الصين ببلد غير ديمقراطي، لأنه بلد معقّد جدا … صحيح أنه توجد بعض الأمور التي تبدو بالنسبة لنا غير ديمقراطية، هذا صحيح. سيمثل الكاردينال زين أمام المحكمة خلال هذه الأيام، على ما أعتقد. وهو يقول ما يشعر به، ومن الواضح أن هناك بعض القيود. من الصعب أن يتم توصيف الصين، وأنا لا أريد أن أفعل ذلك، إنها مجرد انطباعات، أسعى إلى دعم درب الحوار. ومن خلال الحوار يتم إيضاح الكثير من الأمور، ليس بالنسبة للكنيسة وحسب، بل في قطاعات أخرى شأن امتداد الصين: إن حكام المحافظات مختلفون عن بعضهم، ثمة ثقافات مختلفة داخل الصين نفسها، إنه بلد عملاق، وفهم الصين يحتاج إلى جهد عملاق. لكن يجب ألا نفقد الصبر، ثمة حاجة إلى الكثير من الجهد، علينا السير قدماً في درب الحوار، وأنا أسعى إلى عدم توصيف الصين. نتابع السير إلى الأمام.
إليز ألان
ماذا عن كزي جينبينغ؟
البابا فرنسيس
لقد قام بزيارة دولة هناك، لكني لم أره!
ماريا أنجيليس كوندي مير، Rome Reports
في الإعلان الختامي الموقع (في أعقاب المؤتمر) وجه جميع القادة نداء إلى الحكومات والمنظمات الدولية كي توفَّر الحماية للأشخاص المضطهدين بسبب انتمائهم العرقي أو الديني. وهذا ما يحصل وللأسف في نيكاراغوا. نعلم أنكم تطرقت إلى هذا الموضوع في ٢١ آب أغسطس خلال صلاة التبشير الملائكي. أيمكنكم أن تقول شيئاً إضافيا بالنسبة للشعب الكاثوليكي، خاصة في نيكاراغوا. سؤال آخر: لقد رأيناكم بصحة جيدة خلال هذه الزيارة. نود أن نعرف ما إذا كنتم عازمين على القيام بالزيارة إلى أفريقيا، والتي كنت قد أرجأتموها، وهل هناك زيارات أخرى مُدرجة على جدول الأعمال؟
البابا فرنسيس
بالنسبة لنيكاراغوا كل الأنباء واضحة. هناك حوار. يتم التحدث مع الحكومة. الحوار موجود. لكن هذا لا يعني أننا نوافق على كل ما تفعله الحكومة، أو أننا نرفض كل شيء. لا. الحوار قائم وثمة حاجة لحل المشاكل. توجد مشاكل حالياً. وأنا آمل أن تعود راهبات الأم تيريزا على الأقل. هؤلاء النساء يثرنَ بشجاعة، لكن من وجهة نظر الإنجيل! لا يخضن الحرب ضد أحد. بل على العكس، إننا نحتاج جميعاً إليهن. وهذا عمل لا يمكن فهمه … لكن نأمل أن يتمكنَّ من العودة وأن يستمر الحوار. الحوار ينبغي ألا يتوقف أبدا. ثمة أمور لا يمكن فهمها. إن طرد سفير بابوي مسألة خطيرة دبلوماسياً. السفير البابوي “شاب جيد” والآن تم تعيينه في مكان آخر. هذه الأمور يصعب فهمها وتقبّلها. لكن في أمريكا اللاتينية توجد الكثير من الأوضاع المماثلة.
فيما يتعلق بالزيارات، المسألة صعبة. إن رُكبتي لم تتعافى بعد. المسألة صعبة لكن الزيارة المقبلة سأقوم بها (في إشارة إلى زيارة البحرين المرتقبة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل). وقد تحدثت منذ بضعة أيام إلى المونسينيور ويلبي وتطرقنا إلى إمكانية زيارة جنوب السودان في شباط فبراير، وإذا ذهبتُ إلى جنوب السودان سأذهب أيضا إلى الكونغو. إننا نحاول. علينا أن نقوم بالزيارة نحن الثلاثة معاً: رأس الكنيسة الأسكتلندية، المونسينيور ويلبي وأنا. لقد عقدنا لقاء حول هذا الموضوع على منصة “زوم” منذ بضعة أيام.
أليكس غوتوفسكي، EWTN
شكراً أيها الأب الأقدس لأنكم زرتم بلدنا. أود أن أسألكم: بالنسبة للكاثوليك المقيمين في كازاخستان، حيث الأكثرية مسلمة، كيف يمكن أن يُمارس عمل البشارة ضمن هذا السياق؟ وهل من شيء ألهمكم عندما رأيتم الكاثوليك في كازاخستان؟
البابا فرنسيس
ألهمني؟ كلا … لكن سُررت اليوم في الكاتدرائية لدى مشاهدتي الكاثوليك متحمسين وسعداء وفرحين. هذا هو انطباعي عن الكاثوليك الكازاكيين. هناك أيضا التعايش مع المسلمين: إنها مسألة يتم العمل بشأنها وقد تَحقق تقدم، ليس في كازاخستان وحسب. نفكر ببعض بلدان أفريقيا الشمالية، حيث هناك تعايش جميل … في المغرب على سبيل المثال. في المغرب هناك حوار جيد. وأود أن أتوقف عند اللقاء الديني. لقد انتقد البعض ذلك وقالوا إن هذا الأمر يغذي (التوتر) وينمّي النسبية. لا وجود للنسبية هنا! كل طرف عبر عن موقفه، وجميعنا نحترم مواقف الآخر، لكننا نتحاور كأخوة. لأنه إن لم يكن هناك حوار، يحلّ الجهل أو الحرب. من الأفضل أن نعيش كأخوة، لدينا قاسم مشترك، ألا وهو أننا جميعا بشر. نعيش ككائنات بشرية، كأشخاص مؤدّبين: أنتَ ما هو رأيك؟ أنا ما هو رأيي؟ لنتّفق، لنتحاور، لنتعارف. في الكثير من الأحيان تقع الحروب “الدينية”، والتي يساء فهمها، بسبب غياب المعرفة. وهذا ليس ضرباً من النسبية، أنا لا أتخلى عن إيماني إذا تحدثت مع إيمان شخص آخر. بل على العكس، إني أشرّف إيماني لأن الآخر يُصغي إليه وأنا أصغي إلى إيمانه. ما أدهشني جداً هو أن بلدا فتياً كهذا، والذي يواجه الكثير من المشاكل – كالمناخ على سبيل المثال – كان قادراً على تنظيم سبع نسخات للقاء من هذا النوع. لقاء عالمي، بين اليهود والمسيحيين والمسلمين والديانات الشرقية … رأينا حول الطاولة أن الجميع تحدثوا وأصغوا باحترام. هذا هو من بين الأشياء الجميلة التي صنعها بلدكَ. بلد كهذا، يعيش في زاوية العالم، إذا صح التعبير، دعا إلى عقد لقاء من هذا النوع. هذا هو الانطباع الذي تكوّن لدي. كما أن المدينة تحمل جمالاً معمارياً من الطراز الأول. وهناك أيضا مخاوف الحكومة، وقد أثّرت بي جداً المخاوف التي عبر عنها رئيس مجلس الشيوخ: كان يعمل من أجل هذا اللقاء، لكنه وجد الوقت ليعرّفني على مطرب شاب، لا بد أنك تعرفه، إنه فتى منفتح على الثقافة. لم أكن أتوقع هذا الأمر وقد سُررت كثيرا بالتعرف عليكم.
رودولف جيريغ EWTN
أيها الأب الأقدس، الكثير من الكنائس في أوروبا، كتلك الألمانية، تعاني من خسائر كبيرة في عدد المؤمنين، فالشبان يبدو أنهم غير عازمين على الذهاب إلى القداس. كم أنتم قلقون حيال هذا الميل، وماذا تريدون أن تفعلوا؟
البابا فرنسيس
هذا صحيح جزئياً، ونسبي جزئيا. صحيح أن روح العلمنة والنسبية يطرح تساؤلات حول هذه القضايا، هذا صحيح. ما ينبغي فعله قبل كل شيء، هو أن نكون منسجمين مع إيماننا. لنفكر: إذا كنتَ أسقفاً أو كاهناً ولست منسجماً (مع إيمانك) فالشبان لديهم حدسٌ ويقولون لك “تشاو، إلى اللقاء”. عندما تفكّر الكنيسة، أي كنيسة في أي بلد أو قطاع، بالمال وبالتنمية وبالبرامج أكثر من الاهتمامات الرعوية، وتسير في هذا الاتجاه، فهذا الأمر لا يجذب الناس. عندما كتبتُ لثلاث سنوات خلت رسالتي إلى الشعب الألماني، قام بعض الرعاة بإصدارها ونشرها بين الأشخاص، فرداً فردا. عندما يكون الراعي قريباً من الناس يقول إن الشعب يريد أن يعرف ماذا يفكر البابا. أعتقد أنه يتعين على الرعاة أن يسيروا قدما، لكن إذا فقدوا رائحة الخراف، وإذا فقدت الخراف رائحة الراعي، فلن يُحقق أي تقدّم. أحياناً كثيرة – وأتحدث هنا عن الجميع بصورة عامة لا عن ألمانيا فقط – يتم التفكير في التحديث، كي نجعل النشاط الرعوي عصرياً أكثر: هذا أمر جيد، لكن شرط أن يبقى بيد الراعي. إذا وُضع النشاط الرعوي بأيدي “علماء الرعوية”، الذين يُنظّرون هنا ويقولون ما ينبغي فعله هناك (فلا يُحقق أي تقدم). لقد أسس يسوع الكنيسة مع الرعاة، لا مع القادة السياسيين. أسس الكنيسة مع أشخاص غير متعلمين، فالاثني عشر كانوا غير متعلمين، وسارت الكنيسة إلى الأمام. لماذا؟ بفضل رائحة الخراف لدى الراعي ورائحة الراعي لدى الخراف. هذه هي العلاقة الأعظم التي أراها، حيث توجد أزمة في مكان ما وفي منطقة ما … أنا أتساءل: هل الراعي على تواصل مع الخراف، هل هو قريب منها؟ هل لتلك الخراف راع؟ المشكلة هي الرعاة. هنا أود أن أقترح عليك قراءة تعليق القديس أوغسطينوس على الرعاة. يمكن قراءة التعليق خلال ساعة واحدة، لكنه من بين الأمور الأكثر حكمة التي كُتبت عن الرعاة، واطلاقا منها يمكن أن توصّف هذا الراعي أو ذاك.
المسألة لا تتعلق بالعصرنة: بالطبع لا بد من التحديث من خلال الأساليب، هذا صحيح، لكن إذا نقص قلب الراعي فلن يأتي أي نشاط رعوي بأي نتيجة.