“لا تستخدموا خيور هذا العالم لأنفسكم ولأنانيَّتكم فقط، بل استخدموها لتكوين صداقات، ولخلق علاقات جيدة، ولكي تتصرفوا في المحبة، وتعززوا الأخوّة وتعتنوا بالأشخاص الأشدّ ضعفًا” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي.
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها إن المثل الذي يقدمه لنا الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجيا اليوم يبدو لنا صعب الفهم بعض الشيء. يروي يسوع قصة فساد: وكيل غير أمين ويسرق ومن ثم إذ كشفه سيده، تصرف بمكر ليخرج من هذا الموقف. ونسأل أنفسنا: على ما تقوم هذه الحذاقة وماذا يريد يسوع أن يقول لنا؟
تابع البابا فرنسيس يقول نرى من القصة أن هذا الوكيل ينتهي به الأمر في مشكلة لأنه استغل خيور سيده؛ والآن سيتعين عليه أن يؤدِّي الحساب وسيفقد وظيفته. لكنه لا يقطع الأمل ولا يستسلم لمصيره ولا يلعب دور الضحية؛ بل على العكس، هو يتصرف على الفور بمكر، ويبحث عن حل، إنه واسع الحيلة.
أضاف الحبر الأعظم يقول انطلق يسوع من هذه القصة لكي يوجّه أول استفزاز: “إنَّ أَبناءَ هَذِهِ الدُّنيا هم أَكثَرُ فِطنَةً مَعَ أَشباهِهِم مِن أَبناءِ النّور”. أي أن كل من يتحرك في الظلام، وفقًا لمعايير دنيوية معينة، يعرف كيف يتصرف حتى في خضم المشاكل، لأنه يعرف كيف يكون أكثر دهاء من الآخرين؛ أما تلاميذ يسوع، أي نحن، نكون أحيانًا نائمين، أو نكون ساذجين، ولا نعرف كيف نأخذ المبادرة لكي نبحث عن طرق للخروج من الصعوبات. أفكر في لحظات الأزمات الشخصية والاجتماعية، وإنما أيضًا الكنسية: في بعض الأحيان نسمح للإحباط بأن يتغلّب علينا، أو نقع في التذمر ونلعب دور الضحية. أما يسوع فيقول لنا إنه يمكننا أيضًا أن نكون مُحنّكين وفقًا للإنجيل، وأن نكون يقظين ومنتبهين لكي نميِّز الواقع، وأن نكون مبدعين في البحث عن حلول جيدة، لنا وللآخرين.
ولكن تابع الأب الأقدس يقول هناك أيضًا تعليم آخر يقدمه لنا يسوع. في الواقع، على ما تقوم حذاقة الوكيل؟ لقد قرر أن يمنح خصمًا للمدينين، وهكذا جعلهم أصدقاءه، على أمل أن يتمكنوا من مساعدته عندما يطرده سيده. لقد كان يجمع الثروة لنفسه، أما الآن فهو يستخدمها لتكوين صداقات يمكنها أن تساعده في المستقبل. لذلك يقدم يسوع لنا تعليمًا حول استخدام الخيور: “اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَظالِ الأَبَدِيَّة”. وبالتالي لكي نرث الحياة الأبدية، لا يفيدنا أن نكدِّس خيور هذا العالم، ولكن ما يهمُّ هو المحبة التي عشناها في علاقاتنا الأخوية. وهنا تأتي دعوة يسوع: لا تستخدموا خيور هذا العالم لأنفسكم ولأنانيَّتكم فقط، بل استخدموها لتكوين صداقات، ولخلق علاقات جيدة، ولكي تتصرفوا في المحبة، وتعززوا الأخوّة وتعتنوا بالأشخاص الأشدّ ضعفًا.
تابع الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات، حتى في عالم اليوم هناك قصص فساد مثل تلك التي يخبرنا إياها الإنجيل؛ سلوك غير نزيه وسياسات غير عادلة وأنانية تسيطر على خيارات الأفراد والمؤسسات والعديد من المواقف المظلمة الأخرى. لكن لا يجوز لنا نحن المسيحيين أن نشعر بالإحباط، أو الأسوأ من ذلك، أن نترك الأمور تسير على هذا النحو، ونقف غير مبالين. بل على العكس، نحن مدعوون لأن نكون مبدعين في صنع الخير، بحكمة ودهاء الإنجيل، مستخدمين خيور هذا العالم – ليس الخيور المادية وحسب، وإنما جميع العطايا التي تلقيناها من الرب – لا لكي نغني أنفسنا وإنما لكي نخلق المحبة الأخويّة والصداقة الاجتماعية.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول لنرفع صلاتنا إلى مريم العذراء الكلية القداسة لكي تساعدنا لكي نكون مثلها فقراء بالروح وأغنياء في المحبة المتبادلة.