وحدة في الجوهر، وتنوع في الشكل
تأسست الكنائس في بيئة ذات ثقافات متنوعة، ولغات لها عبقريتها، وتقاليد وجغرافية مختلفة، لكنها متحدة بايمان واحد في الجوهر.
الوحدة ليست تكتلاً بشرياً شكلياً، ولا نظاماً على شكل برلمان، ولا تذويب الهويات الخاصة وصبّها في نمط واحد uniformity. الوحدة تعني الحفاظ على الايمان الواحد المشترك، واحترام رئاسة كل كنيسة، وتقليدها وليتورجيَّتها وقوميَّتها ولغتها وعبقريَّتها. الوحدة تعني ان تتواصل الكنائس مع بعضها وتتكاتف بتناغم وتسير معاً في التعاون…
الوحدة تنسجم مع طبيعة الكنيسة: “إحفظهم باسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحن واحد” (يوحنا 17/ 11)، وتمنحها الشعور بالانشراح والانتعاش والقوة لحمل الرسالة.
هذه الوحدة الجوهرية موجودة في الحقيقة الموضوعية Objective Truth، وقد عبَّرت عنها البيانات الكريستولوجية بين الكنيسة الكاثوليكية ومعظم الكنائس الشرقية الرسولية. هذه الوحدة الايمانية حقيقية وليست وهمية fictional، والكل يقرّ بها. وحدة لاهوتية جوهرية (في الداخل) تقوم على وحدة الثالوث الاقدس وتحت كنفه: اله واحد في الجوهر وثلاثة أقانيم (الثالوث) في التجلي والتعبير. الوحدة ثمرة إيمان وصلاة. اما التنوع – الاختلاف فهو اداري (السلطة – الرئاسات) وثقافي وقومي، فهي “واحدة ومتنوعة”.
ما يوحِّدنا أكبر بكثير مما يفرقنا
في الكنائس الشرقية والغربية الرسولية، نجد التواتر الرسولي (الخلافة الرسولية) بالنسبة للرسامات الكهنوتية. البطريرك في كنيسته هو الاب والرأس pater et caput، ولديها نفس الاسرار المقدسة، وليتورجيا خاصة وتقاليد وقوانين لا تتقاطع مع بعضها في الجوهر.
مسكونية الوحدة تكمن في التنوع والتعددية. تبدأ داخل الرعية الواحدة والابرشية الواحدة والبطريركية الواحدة ثم بين الكنائس. وكما قال البابا فرنسيس في خطابه للاكليروس في كازاخستان يوم 15 ايلول 2022: “تكمن قوّة شعبنا الكهنوتي والمقدّس بالتّحديد في أن نجعل من التنوّع غنىً بالمشاركة، نتشارك في ما نحن وفي ما لنا: صِغَرُنا يتضاعف بالمشاركة”.
رأي شخصي
لقد درستُ عن كثب تراثنا المشرقي الاصيل وكتابات الآباء، لا أرى أبداً ما يمنع إندماج الكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق الآشورية تحت اسم كنيسة المشرق، كذلك كنيسة السريان الكاثوليك وكنيسة السريان الارثوذكس تحت اسم الكنيسة السريانية الأنطاكية وهكذا الحال مع الكنائس الاخرى حيث الارض والليتورجيا مشتركة واللغة والتراث والتاريخ… لا ضير ان ابقى كلدانياً أو آشورياً أو سريانياً أو عربياً بالنسبة للقوميّة. هذه الكنائس كانت تحتضن عدداً من الشعوب والقوميات واللغات. وتتم دراسة هذا المشروع الوحدوي من كل الجوانب عبر حوار شجاع، حتى يكون لنا مستقبل وحضور مؤثّر في مجتمعاتنا، خصوصاً اننا تناثرنا اليوم في العالم وغَدَونا أقلّية في هذا الشرق بسبب الظلم والهجرة، بينما كنا الغالبية العظمى في القرون السبعة الاولى للميلاد! أبهجني الاسم الذي رُفِع في أربيل (12 أيلول 2022) في احتفالية افتتاح بطريركية كنيسة المشرق الاشورية Holy Apostolic Catholic Assyrian Church of the East
الوحدة في الاعتناء بالناس وهمومهم
نحن مدعوّون لتحمّل مسؤوليّاتنا الدّينيّة والإنسانيّة والوطنيّة، لذا لا يكفي ان تتكلم الكنائس عن مواضيع لاهوتية فحسب، بل عن الخير العام Res publica . هذه الوحدة في الايمان والمحبة ينبغي ان تبرز في علاقاتنا العامة والاعتناء بالطبيعة والناس ومشاكلهم ومخاوفهم وتطلعاتِهم، والوقوف الى جانبهم في الدفاع عن العدالة والتكافوء الاجتماعي والمساواة والسلام والعيش بحرية وكرامة.
لا يمكن ان نخاف من مواجهة التحديات… البعض ينتقدني على التدخل في السياسة. اني لا أتدخل في السياسة، إنما اُدافع عن المظلومين و المواطنة وبناء نظام مدني. إني لست متحزبا لجهة حزبية معينة، ولا استلم مالاً من أحد.
يتعين علينا ان نتدرب على فهم الجانب الانساني والاجتماعي والسياسي وتطوير مهاراتنا للعب دورنا ككنائس كما فعل المسيح “اتيتُ لتكون لهم الحياة وبوَفرة” (يوحنا 10/ 10). علينا ان نخاطب قلب المسيحي وغير المسيحي كما حدَّثهم المسيح… هذه الشهادة فيما بيننا تُعطي المصداقية لخطابنا وسلوكنا.
تحديات العمل المسكوني:
الكنائس بحاجة الى رؤية جديدة، وخطة جديدة للتعامل مع المسيحيين وغير المسيحيين، لان العالم تغيّر. ان تنشئة الاكليروس والمؤمنين على الانفتاح وتأوين التعليم اللاهوتي والروحي والوحدة وخدمة الشركة والرسالة سوف تخلق رابطة قوية جداً بين الكنائس.
الايمان المسيحي يريدنا ان ننفتح على الحاضر ونميز علامات حضور الله وننطلق للمضي الى الامام في وحدتنا ومحبتنا وخدمتنا وشهادتنا وتعزيز الحضور المسيحي في هذا الشرق المضطرب ومواجهة التحديات برجاء. لذلك ثمة حاجة للتخلص من عقدة التعصب الكنسي والقومي والتمحور حول الذات… من لا يقبل الانفتاح والتغيير “يحنّط” نفسه!