قال جلالة الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، إن الأردن نقطة ربط حيوية للشراكات الإقليمية والتعاون والعمل للتصدي للأزمات الدولية وتوفير الإغاثة الإنسانية، ولطالما كان مصدرا للاستقرار الإقليمي وموئلا للاجئين.
وقال لا مكان للكراهية والانقسام في المدينة المقدسة.
وانطلاقا من الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فنحن ملتزمون بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، وحماية أمن ومستقبل هذه الأماكن المقدسة
وأضاف في خطابه في الجلسة الافتتاحية للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الأردن وبعد مرور عشر سنوات، يستضيف ما يزيد عن 1,3 مليون لاجئ سوري.
وفي هذا السياق، تحدث جلالته عن اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم، ففي عام 2012، وأمام الجمعية العامة بدورتها السابعة والستين، تحدثت للمرة الأولى عن تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن، وعن الضغط الناجم عن ذلك على مواردنا المحدودة. وفي ذلك الوقت، كان نحو 200 ألف سوري قد لجأوا إلى بلدنا الصغير، أما اليوم، وبعد مرور عشر سنوات، فنحن نستضيف ما يزيد عن 1,3 مليون لاجئ سوري.
وأكّد جلالته أن الدول المستضيفة تتطلع لالتزام المجتمع الدولي بتعهداته في هذا المجال؛ لأن تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين وغيرهم مسؤولية دولية.
وتالياً خطاب جلالة الملك كاملاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،
السيد الأمين العام،
أصحاب الفخامة،
نجتمع اليوم في الجمعية العامة، بينما يدق ناقوس الخطر من حولنا جميعا، إذ تتعدد وتتداخل الأزمات التي تواجه عالمنا، من أزمات إقليمية ذات تداعيات عالمية، وتغير مناخي وآثاره، إلى انعكاسات جائحة كورونا على مختلف القطاعات، وعنف وتطرف، وتضخم متنام، وكساد اقتصادي وشيك، وواقع يواجه الكثيرين حول العالم بانعدام الأمن الغذائي، والدول النامية هي الأكثر تضررا جراء ذلك.
هل هذا هو المستقبل الذي سنتركه للأجيال القادمة؟
علينا أن نوفر لهم عالما مختلفا أوسع أفقا وأكثر عدالة يسوده النمو الاقتصادي المستدام والفرص الواعدة الجديدة وفرص عمل أكثر وأفضل، وسلاما يقود لازدهار ينعم به الجميع. وحتى نحقق هذه الأهداف، على بلداننا أن تتحد في العمل المشترك الفاعل، والسؤال الآن هو، هل نمتلك الرؤية والعزيمة اللازمتين لإنجاز ذلك؟
فلننظر إلى أزمة المناخ على سبيل المثال، فلا يمكن لأي بلد بمفرده أن يعالج أثرها على البيئة، بل نحن بحاجة إلى شراكات قادرة على إحداث تغيير حقيقي، والأردن جزء من هذه الجهود، إذ يعمل على بناء شراكات قوية لإدارة واستدامة الموارد المائية، ونرى المزيد من الفرص للعمل مع شركائنا للحفاظ على مواقع التراث العالمي والبيئات الطبيعية المميزة بالمملكة، كالبحر الميت ونهر الأردن والشعاب المرجانية في خليج العقبة، المهددة جميعها بفعل التغير المناخي.
أما الأمن الغذائي، فهو أولوية عالمية أخرى، فمئات الملايين في العالم ينامون جياعا، وهذه الأعداد في تزايد مستمر. كيف للآباء والأمهات أن يتمكنوا من تنشئة أطفال أصحاء؟ كيف للطلبة أن يتمكنوا من تلقي تعليمهم، وكيف للعمال إنجاز عملهم وهم يواجهون اليأس وانعدام الأمن الغذائي؟
منذ بداية الجائحة، والآن مع الأزمة في أوكرانيا، تعثرت سلاسل توريد الغذاء العالمية، وواجهت العديد من الدول الغنية نقصا حادا في الأطعمة الأساسية لأول مرة في التاريخ المعاصر. وفي هذه الظروف، تبين لهذه الدول حقيقة لطالما أدركها سكان الدول النامية منذ زمن طويل، وهي أنه لا يمكن لبلد أن يزدهر إذا لم يكن الغذاء متوفرا بكلفة مناسبة على مائدة كل أسرة. وعلى صعيد عالمي، يتطلب ذلك إجراءات مشتركة لضمان سهولة الوصول إلى الغذاء بكلف مناسبة، وتسريع وصول السلع الغذائية الأساسية للدول المحتاجة.
أصدقائي،
لطالما كان النمو الاقتصادي الشامل والمستدام أول ضحايا الأزمات العالمية، لكن هذا يجب أن يدفعنا لتعزيز المنعة الاقتصادية لتمكيننا من الصمود في وجه العواصف. وفي منطقتنا، نحن نتطلع لبناء شراكات تكاملية تستثمر في إمكانيات وموارد كل بلد لتحقيق المصلحة المشتركة لجميع بلدان الإقليم. ونرى الآن شبكات تتشكل للمنعة الإقليمية ولتحفيز الفرص الجديدة والنمو، وقد أسس الأردن لشراكات متعددة الأطراف مع مصر والعراق والإمارات والسعودية والبحرين ودول أخرى في المنطقة، للاستثمار في هذه الإمكانيات.
الأردن نقطة ربط حيوية للشراكات الإقليمية والتعاون والعمل للتصدي للأزمات الدولية وتوفير الإغاثة الإنسانية، ولطالما كان مصدرا للاستقرار الإقليمي وموئلا للاجئين.
وفي هذا السياق، أود أن أتحدث عن اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم، ففي عام 2012، وأمام الجمعية العامة بدورتها السابعة والستين، تحدثت للمرة الأولى عن تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن وعن الضغط الناجم عن ذلك على مواردنا المحدودة. وفي ذلك الوقت، كان نحو 200 ألف سوري قد لجؤوا إلى بلدنا الصغير، أما اليوم، وبعد مرور عشر سنوات، فنحن نستضيف ما يزيد عن 1,3 مليون لاجئ سوري. ولأن تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين وغيرهم مسؤولية دولية، فإن الدول المستضيفة تتطلع لالتزام المجتمع الدولي بتعهداته في هذا المجال.
أصدقائي،
على مدار عدة عقود، ارتبط الشرق الأوسط بالصراعات والأزمات، لكننا نأمل أن تجعل روح التعاون الجديدة بيننا، من المنطقة مثالا في الصمود والتكامل.
وعلى الرغم من أن السياسة قد تخذل عالمنا في بعض الأحيان، إلا أن الثابت الوحيد هو أن الشعوب هي الأولوية، لذا فإن إبقاء الأمل حيا لديها يتطلب النظر لما هو أبعد من السياسة والعمل لتحقيق الازدهار للجميع. لكن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها إن كانت إقصائية، بل لا بد أن يكون شمول الفلسطينيين في المشاريع الاقتصادية الإقليمية جزءا أساسيا من جهودنا.
وأما في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلا يزال السلام بعيد المنال، ولم تقدم الحرب ولا الجهود الدبلوماسية إلى الآن حلا لإنهاء هذه المأساة التاريخية. وهنا فلا بد من أن تعمل الشعوب قاطبة، لا السياسة أو السياسيون خاصة، على الضغط باتجاه حل هذا الصراع من خلال قادتها.
كيف كان سيبدو عالمنا الآن لو تم الوصول إلى حل للصراع منذ زمن طويل، ولم يتم تشييد الجدران وسمح للشعوب أن تبني جسورا للتعاون بدلا منها؟ ماذا لو لم يتمكن المتطرفون من استغلال ظلم الاحتلال؟ كم جيل من الشباب كان من الممكن أن يكبر في بيئة يسودها التفاؤل بالسلام والازدهار؟
وبينما نواصل جهودنا لتحقيق السلام، علينا ألا ننسى اللاجئين، فهذا العام، ستصوت الجمعية العامة على تجديد التكليف الأممي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وعلى المجتمع الدولي أن يبعث رسالة قوية في دعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لضمان توفير التعليم والخدمات الصحية، وخاصة للأطفال.
أصدقائي الأعزاء،
أحد أبرز المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة هو حق جميع الشعوب في تحديد مصيرها، ولا يمكن إنكار هذا الحق للفلسطينيين وهويتهم الوطنية المنيعة، فالطريق إلى الأمام هو حل الدولتين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة، الذي يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل بسلام وأمن وازدهار.
واليوم، يشكل مستقبل مدينة القدس مصدر قلق ملح، فهي مدينة مقدسة للمليارات من أتباع الديانات السماوية حول العالم، وإن تقويض الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها يسبب توترات على المستوى الدولي ويعمق الانقسامات الدينية. لا مكان للكراهية والانقسام في المدينة المقدسة.
وانطلاقا من الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فنحن ملتزمون بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، وحماية أمن ومستقبل هذه الأماكن المقدسة. وكقائد مسلم، دعوني أؤكد لكم بوضوح أننا ملتزمون بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخية للمسيحيين في منطقتنا، وخاصة في القدس. اليوم، المسيحية في المدينة المقدسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهددة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحية جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءا أساسيا من مستقبلنا.
السادة رؤساء الوفود،
يمكننا تخطي أخطر الأزمات إذا اتحدنا للعمل معا. فلنسعى، ونحن في هذه الاجتماعات، لتحقيق مستقبل أفضل يخدم مصلحتنا المشتركة، مستقبل من الكرامة والأمل يوفر فرصا جديدة لجميع شعوبنا.
لا يمكننا أن نتجاهل ناقوس الخطر الذي يدق من حولنا، بل علينا أن نتصدى له.
شكرا لكم.