استقبل قداسة البابا فرنسيس قبل ظهر يوم السبت المشاركين في مؤتمر مؤسسة السنة المائة.
وفي بداية كلمته إليهم أراد قداسته توجيه الشكر على ما يقومون به من عمل مشيرا إلى أهمية إسهامهم فيما يتعلق بالعقيدة الاجتماعية للكنيسة وذلك لأنهم يساهمون في التعريف بها وفهمها، هذا إلى جانب أهمية هذا الإسهام بالنسبة للتعمق فيها وذلك لأنهم يقرؤونها، حسب ما ذكر البابا، من داخل العالم الاقتصادي والاجتماعي المعقد ما يمَكنهم من مقارنتها مع الواقع الذي هو في حركة مستمرة.
توقف الأب الأقدس بعد ذلك عند الموضوع الذي اختير محورا للمؤتمر، ألا وهو “نمو شامل من أجل القضاء على الفقر وتعزيز التنمية المستدامة من أجل السلام”، وأعرب البابا في حديثه عن قناعته بأن الجزء الأول من هذا الموضوع هو الأساسي، أي النمو الشامل. وقال قداسته إن هذا التعبير يجعلنا نفكر في الرسالة العام “تَرَقي الشعوب” للبابا القديس بولس السادس والتي جاء فيها ” لا ينحصر الترقّي في مجرّد النموّ الاقتصادي؛ فلكي يكون صحيحاً يجب أن يكون كاملاً، أي أن يشمل كل إنسان، والإنسان كله”. وشدد البابا فرنسيس بالتالي على أن الترقي إما أن يكون شاملا وإما فلن يكون ترقيا، وهكذا فإن واجبنا وبالأخص واجبكم أنتم كمؤمنين علمانيين، واصل الأب الأقدس، هو جعل الاقتصاد يتخمر في معناه الأخلاقي، أي النمو بمعنى التنمية، وأنتم تحاولون عمل هذا انطلاقا من رؤية الإنجيل لأن كل شيء يولد من كيفية النظر إلى الواقع، قال البابا.
توقف البابا فرنسيس بالتالي عند نظرة يسوع فقال إنها نظرة قادرة على أن ترى في الفقراء الذين يضعون عُشرين في خزانة الهيكل فعل عطاء كامل (راجع مرقس ١٢، ٤١-٤٤). كانت نظرة يسوع تنطلق من الرحمة والشفقة إزاء الفقراء والمستبعدين، قال قداسته، وتابع أن النمو الشامل ينطلق من نظرة غير منغلقة على الذات، متحررة من السعي إلى بلوغ أقصى الأرباح. ثم أشار البابا فرنسيس إلى أن الفقر لا يحارَب بالمساعدة المالية، وذكَّر هنا بما كتب في الرسالة العامة “كن مسبَّحاً: ” يجب أن تبقى مساعدة الفقراء بالمال علاجًا مؤقتا لمواجهة الحالات الطارئة. المقصدُ الحقيقي هو السماح لهم بأن يعيشوا بكرامة عن طريق العمل”.
وتابع قداسة البابا حديثه مشيرا إلى أنه بدون التزام الجميع من أجل إنماء سياسات عمل لصالح الأشخاص الأكثر ضعفا يتم فتح المجال أمام ثقافة إقصاء على الصعيد العالمي. وقال إنه حاول شرح قناعته هذه في الرسالة العامة ” Fratelli tutti” وذكَّر بحديثه فيها عن تزايد الغنى، ولكن دون مساواة، وبالتالي إنّ ما يحدث هو ولادة “أشكال جديدة من الفقر”. وهكذا فإن المستقبل يستدعي نظرة جديدة، قال البابا فرنسيس، وكل فرد هو مدعو إلى أن يكون معزِّزا لهذا الأسلوب المختلف في النظر إلى العالم وذلك بدءً من الأشخاص ومن الأوضاع التي يعيشها في حياته اليومية. وأشار قداسته إلى عبارة من رواية للكاتب الأمريكي بول أوستر: “لا تنظر أبدا إلى أي شخص من الأعلى إلى الأسفل”، وقال إن هذه العبارة يمكنها أن تكون إرشادا جيدا للجميع.
وفي ختام حديثه إلى المشاركين في مؤتمر مؤسسة السنة المائة قال البابا فرنسيس إنه بإمكان المؤسسة تطبيق التأملات الهامة التي تم القيام بها خلال هذه الأيام من خلال تغيير لنظرة كل شخص، وشدد على الحاجة إلى نظرة متواضعة، نظرة مَن يرى في كل رجل أو امرأة يلتقي أخا وأختا يجب احترام كرامتهما. بهذه النظرة فقط، تابع الأب الاقدس، يمكننا مكافحة الشرور التي تغذي رياح الحرب. ثم ذكَّر بأهمية عدم النظر إلى أي شخص من الأعلى إلى الأسفل وقال إن هذا هو أسلوب صناع السلام مضيفا أن هذه النظرة تكون مقبولة فقط في حال مساعدة الأشخاص على النهوض. ثم شكر البابا فرنسيس ضيوفه على زيارتهم وعلى ما يقدم كل منهم من التزام حيثما يعيش ويعمل، وذلك من أجل تعزيز نمو شامل، والتعريف بالعقيدة الاجتماعية للكنيسة. بارك قداسته في الختام الجميع وعائلاتهم سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.