٣٧. وبينما هو يقول ذلك، دعاه أحد الفريسيين إلى الغداء عنده. فدخل بيته وجلس للطعام.
٣٨. ورأى الفريسي ذلك فعجب من أنه لم يغتسل أولا قبل الغداء.
٣٩. فقال له الرب: أيها الفريسيون، أنتم الآن تطهرون ظاهر الكأس والصحفة، وباطنكم ممتلئ نهبا وخبثا.
٤٠. أيها الأغبياء، أليس الذي صنع الظاهر قد صنع الباطن أيضا؟
٤١. فتصدقوا بما فيهما، يكن كل شيء لكم طاهرا.
“دَعَاهُ أَحَدُ الفِرِّيسِيِّينَ إلَى الغَدَاءِ عِندَهُ. فَدَخَلَ بَيتَهُ وَجَلَسَ لِلطَّعَامِ. وَرَأَى الفِرِّيسِيُّ ذَلِكَ فَعَجِبَ مِن أَنَّهُ لَم يَغتَسِلْ أَوَّلًا قَبلَ الغِدَاءِ” (٣٧-٣٨).
يسوع قبِلَ دعوة فريسيٍّ إلى الغداء. الفريسيون يخاصمونه، ومع ذلك رأى يسوع فيه إنسانًا ابنَ الله، قادرًا على التوبة هو أيضًا، وعلى المحبة، فقبِلَ دعوته، وجلس يأكل معه. لكنَّ يسوع لم يغسل يديه قبل الأكل، كما تقضي الشريعة. فعَجِبَ الفريسي لذلك.
الأعمال الخارجية وموقف القلب. نحن أيضًا قد نتعرض للموقف نفسه. قد نتمسك بأعمال خارجية، وفي قلبنا قد تكون المحبة غائبة. قد تكثر صلواتنا الخارجية، بل قد تصير صلواتنا طقوسًا وتلاوات اعتدنا عليها، لا روح فيها، لا محبة لله ولأبناء الله فيها. وهنا يقول الله لنا: “اذهب أولًا وصالح أخاك”، ثم تعالَ وارفع صلاتك إلى الله أبيك، وأبي أخيك الذي تخاصمه أو تسيء إليه. نحن أيضًا مدعوُّون إلى أن “نكمل الشريعة” في نفوسنا، أي إلى أن نملأ كل نشاطاتنا، كل أعمالنا وأقوالنا، بمحبة الله ومحبة جميع إخوتنا، من دون تمييز لأيِّ سبب كان. ومدعوُّون حتى لضبط مشاعرنا، وتنقيتها، ورفعها إلى الله صافيةً غيرَ معتكرة بأية سلبية تجاه إخوتنا. لا غضب. ولا حسد. ولا كراهية. ولا أحقاد. ولا خصومات متجمدة فينا، لأيِّ سبب كان. أخونا هو ابن الله. ويسوع يقول لنا دائمًا: “كلَّما صنعتم أو لم تصنعوا لأحد إخوتي فلي صنعتموه أو لم تصنعوه”. وإخوة يسوع هم كل الناس، بلا استثناء. لنفكر في هذا: المحبة واجبة لكل الناس، لأنهم أبناء الله، لأنهم “إخوة” يسوع المسيح، لأن كل واحد، كيفما تصرفنا معه، فنحن نتصرف مع يسوع المسيح نفسه، إن أحسَنَّا إليه، فإحسانُنا لله، وإن أسأنا إليه بأية إساءة، فإساءتنا إلى الله. وسيأتي يوم حساب، وفي هذه الحياة نفسها، قبل يوم الحساب الأخير، بعد هذه الأرض.
الفريسي “عَجِبَ” من أن يسوع لم يغسل يديه قبل الطعام، عَجِبَ لعمل خارجي لا يدل على صلاح الإنسان وشره. ويسوع أصلح نظرته، وأصلحه بشدة، نستغربها. يسوع مدعوٌّ، جالس في بيت الفريسي، وفي بيته أنَّبَه وبشدة. ألأنَّ العلة فيه عميقة تستوجب هذه الشدة؟ أو إنه وجَّه كلامه إلى فئة من الناس، إلى مجتمع بأكمله يفكِّر الفِكرَ نفسه، يهتمُّ ب”غسل الأيدي” قبل الطعام، ولا يهتمُّ بطهارة القلب، ويسيء إلى الإخوة؟
قال يسوع له، ووجَّه كلامه إلى كل المدعوِّين أيضًا: “فَقَالَ لَهُ الرَّبّ: أيُّهَا الفِرِّيسِيُّونَ، أنتُم الآنَ تُطَهِّرُونَ ظَاهِرَ الكَأْسِ وَالصَّحفَةِ، وَبَاطِنُكُم مُمتَلِئٌ نَهبًا وَخُبثًا. أيُّهَا الأَغبِيَاءُ…” (٣٩-٤٠).
كان يسوع شديدًا في كلامه. هو الذي “يعرف ما في الإنسان”، يعرف متى يكون وديعًا ومتواضع القلب، ومتى يكون شديدًا، والهدف من شدته أن تبدأ التوبة في قلب سامعيه. إذا رأينا أن نشتدَّ يومًا في كلامنا، دليلُ السلامة لنا هو أن يكون قلبنا مليئا بالمحبة، الصادقة، فلا نكون نحن أيضًا معمِيِّين، فندخل في التزمُّت والإساءة، ونحن نظنّ أننا نقوم بواجبنا. يمكن أن نظلم ونظن أننا نقوم بواجب. هذا خطر يهدِّدنا أيضًا، يستوجب تأنيب يسوع لنا، – لا لمن نشدد الكلام عليهم.
ربي يسوع المسيح أعطني أن أكون صادقًا في صلاتي وفي كل ممارساتي الخارجية. أعطني أن أحبك في كل إخوتي، وإن وجب عليَّ أن أُصلِح، علِّمني كيف ومتى ألجأ إلى الشدة، فلا أُهِين ولا أُسيء، بل يبقى قلبي مليئا بمثل محبتك. آمين.