تاريخ الأحوال الشخصية في الشرق الأوسط بقلم الأرشمندريت الدكتور بسام شحاتيت

عند العودة إلى بداية نشأة قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية نجد أنها تطورت تدريجيًا وعلى مراحل حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. كما أن قوانين الأحوال الشخصية تتشابه في معظم المواد التي تختص بالزواج وما يتصل به من شؤون كالنفقة والحضانة، والمشاهدة، والإرث والتبني.
إن المبدأ التشريعي القانوني الذي استندت عليه الدساتير والقوانين في الدول العربية في تطبيق القوانين المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة والعائلية هو استقلالية المحاكم الدينية الشرعية والكنسية لأنها تعتمد في أحكامها على العقيدة والشريعة. المرجع الفقهي الذي نظم مسألة التقاضي للمسيحيين الخاصة بهم في القانون الإسلامي هو الآية القرآنية التالية: “وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (سورة المائدة 47).
من خلال مطالعة المراجع التي تختص بالأحوال الشخصية نجد أن نشأة الأحوال الشخصية في البلاد العربية وردت في مراحلَ تاريخية كما يلي:
أولاً: مرحلة الدولة العثمانية التي أصدر فيها السلطان العثماني عبد المجيد الأول الفرمان المسمى الخط الهمايوني بتاريخ 18 شباط 1856 وذلك لعمل مجموعة من الإصلاحات وتنظيم الحياة الاجتماعيّة بين المُسلمين والمسيحيين. فقد ذكر البند الثاني عشر من الفرمان بأن: “الدعاوى القضائيّة بين المسيحيين والمسلمين تُعقد في محاكم خاصّة، ويرأسها قُضاة من الطرفين”.
بالرجوع إلى تاريخ القوانين والتشريعات في الشرق الأوسط نلاحظ أن تنظيم مسائل الأحوال الشخصية قد بدأ يتبلور منذ سنة 1886 في زمن الدولة العثمانيّة، فقد منح السلطان العثماني البطريرك كافة الحقوق التي منحها الخلفاء المسلمون الذين سبقوه. ومنها سلطة إدارة جميع قضايا الأحوال الشخصيّة في أبرشيته. كان المسيحيون في الإمبراطوريّة العثمانيّة خاضعين لقانون الأحوال الشخصيّة ومتمسكين بقوانينهم الدينيّة الخاصّة التي كانت تطبق في محاكمهم الكنيسة.
ثانيًا: بالتدريج ومع حصول بلدان الشرق الأوسط على استقلالها اصدرت الحكومات دساتيرها، ووضعت الكنائس قوانينها الشخصيّة وأنشأت محاكمها الخاصّة.
ثالثًا: استمرت التشريعات الكنسيّة والقوانين الخاصة قيد التنفيذ إلى أن دخلت الدولة العثمانيّة في الحرب العالميّة الأولى عام 1914. وفي ظل هذه الأجواء التي فيها تغيرت الأحوال السياسية والاقتصادية صدر قانون “حقوق العائلة” عام 1915 الذي ألغى كلّ ما سبقه من قوانين.
وجديرٌ الإشارة إلى أننا نجد لكل دولة في العالم العربي خصوصيّة معينة بما يتعلّق بالأحوال الشخصيّة. بعضها تأثر بقانون الحقوق الفرنسي وقوانين الدول اللاتينيّة كمصر، سوريا ولبنان، أما دول العراق، الأردن وفلسطين فقد تأثرت بالقانون البريطاني والدول الأنجلوسكسونيّة.
في مرحلة الانتداب الفرنسي والبريطاني وبعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، قامت بريطانيا بالسيطرة على العراق وفلسطين والأردن، وسيطر الفرنسيّون على سوريا ولبنان.
رابعًا: حدث تطوير في قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية كالأردن، العراق، سوريا لبنان، ومصر وتغير النظام القضائي ليصبح نظامًا متطوراً ومنظماً.
في عام 1918، قام المندوب السامي الفرنسي في سوريا ولبنان، بإصدار العديد من القرارات التشريعيّة، مؤكدًا على سلطة وقوة المحاكم الكنسيّة بما يتعلق بالطوائف المسيحيّة في سوريا ولبنان. وفي عهد الملك فيصل في سوريا صدر قانون النظام القضائي في 19/1/1919 والذي تنصّ المادّة 18 منه على أن: “تحافظ المحاكم الدينيّة للطوائف غير الإسلاميّة على حقوقها وواجباتها كما في السابق”.
في الأراضي المقدسة، يطبق القانون الأردني لسنة 1976 في مناطق السلطة الفلسطينية، والتشريع بما يخص الأحوال الشخصية. أما في شمال فلسطين ومناطق الجليل، فهو من اختصاص القانون المدني في محكمة الشؤون العائلية. وبهذا فقد أخذت الدولة الكثير من صلاحية المحاكم الكنسية والشرعية بما يتعلق بالزواج وشؤون النفقة والحضانة والوصية والإرث. أما أذا توافق جميع الورثة أو الزوجين خلال دعوى الإنفصال أو دعوى البطلان عندئذٍ يُنظر بهذه القضايا في المحكمة الكنسية أو الشرعية.
في المملكة الأردنية الهاشمية تطبق الكنائس “قانون الطوائف الدينيّة غير المسلمة رقم (2) 1938″، والذي تم تعديله بتاريخ 10/7/2014 تحت مسمى قانون مجالس الطوائف المسيحيّة.
في الختام لا بد من أن نذكر بأن قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية قد تطورت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وبشكل خاص في العشر سنوات الماضية. وأن كل دولة تعمل على التطوير لتحقيق العدالة والمساواة والإنصاف للجميع.