رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة وقّعوا بيانًا مشتركًا وهذا ما جاء فيه


في ختام اجتماعهم الثّالث عشر في مركز لوغوس للمؤتمرات في المقرّ البابويّ في دير القدّيس الأنبا بيشوي- وادي النّطرون- مصر، وقّع رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة في الشّرق الأوسط: بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثّاني، وبابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني، وكاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا آرام الأول، البيان الرّسميّ المشترك، وجاء فيه بحسب إعلام بطريركيّة السّريان الأرثوذكس:
“بإسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

‎”مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ.” (2كو1: 3، 4).

‎نحن البابا تواضروس الثّاني بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، والبطريرك مار إغناطيوس أفرام الثّاني بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس، والكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكبير،

‎نشكر الله لأنّه منحنا أن نجتمع معًا في الاجتماع الرّسميّ الثّالث عشر لرؤساء كنائسنا منذ عام 1998م، وفي إطار شركة الإيمان القائمة منذ القرون الأولى للمسيحيّة.

‎إنّ كنائسنا الثّلاث منذ فجر المسيحيّة يجمعها التّراث الرّسوليّ المشترك والإيمان الواحد متمسكة تمسّكًا راسخًا بتراثنا الرّوحيّ ووحدتنا في الإيمان النّابع من الكتاب المقدّس، والمعبّر عنه في المجامع المسكونيّة الثّلاثة الأولى: مجمع نيقية (325م)، مجمع القسطنطينيّة (381م)، مجمع أفسس (431م)، وتعاليم آبائنا القدّيسين وما رفضته كنائسنا من هرطقات على مدى تاريخها.

‎إنّنا ندعم مسيرة كنائسنا بالقرارات والتّوجّهات الّتي تصدرها في سياق خدمتنا المشتركة لكنائسنا في العالم وبخاصّة في منطقة الشّرق الأوسط حيث الشّهادة المسيحيّة منذ العصر الرّسوليّ، وما تسلّمناه من آبائنا وقدّيسينا وشهدائنا ونحافظ عليه بكلّ حرص كوديعة مقدّسة لجميع الأجيال.

‎ولقد تناولنا بالبحث والدّراسة المواضيع ذات الاهتمام المشترك واستمعنا إلى تقرير اللّجنة الدّائمة:

‎أوّلاً: الوجود المسيحيّ في الشّرق الأوسط

‎إنّ الوجود المسيحيّ كان وسيبقى من أكثر همومنا ومشاغلنا. فقد تدارسنا بعمق أهمّيّة هذا الوجود وضرورة تقويته، وبحث الآليّات الممكنة لتثبيت أبنائنا في بلادهم، وتعهدهم بالرّعاية الّتي تساهم في تثبيتهم في أوطانهم، والحدّ من نزيف الهجرة إلى دول الانتشار بسبب الصّراعات القائمة والظّروف الاقتصاديّة الصّعبة الّتي يمرّ بها العالم وبخاصّة في شرقنا الأوسط.

‎نصلّي من أجل أبناء أوطاننا المتألّمين بسبب هذه الأزمات الّتي تطال المعيشة اليوميّة لجميع مواطني بلادنا في الشّرق الأوسط، فيما تسعى كنائسنا إلى تقديم الشّهادة المسيحيّة عبر توفير الخدمات الاجتماعيّة لجميع المحتاجين. منوّهين بدور أبنائنا في بلاد الانتشار في تمكين كنائسنا لتقوم بواجبها الرّعائيّ في المجالات الصّحّيّة والتّعليميّة والاجتماعيّة خدمةً لأبنائنا.

‎نستمرّ في الصّلاة إلى الله من أجل كشف مصير المطرانَيْن المخطوفَيْن مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم، وبولس يازجي مناشدين أصحاب النّوايا الحسنة والمجتمع الدّوليّ لبذل الجهود في هذا المجال.

‎ثانيًا: الحوارات والعلاقات مع العائلات الكنسيّة الأخرى:

‎أ. الحوار مع العائلة الأرثوذكسيّة البيزنطيّة:

‎1. توقّف الحوار منذ نوفمبر/ تشرين الثّاني 1993م، ثمّ تمَّ لقاء مجموعة عمل من ممثّلين رسميّين للكنائس من العائلتين في أثيناـ اليونان 24ـ25 نوفمبر 2014م، الّذي وضعوا فيه خارطة طريق للعمل المستقبليّ للجنة الحوار المشترك اللّاهوتيّ الرّسميّ بين العائلتَيْن. إضافةً إلى الاجتماع الّذي عُقد بين الرّئيسَيْن المشاركَيْن نيافة المطران عمّانوئيل والمُتنيّح الأنبا بيشوي في 12 نيسان/ ابريل 2018م بضيافة وحضور قداسة الكاثوليكوس آرام الأوّل في أنطلياسـ لبنان، حيث تمّ فيه مناقشة التّطوّرات الخاصّة بالحوار اللّاهوتيّ الثّنائيّ والإعداد لِلقاءٍ لكامل أعضاء اللّجنة المشتركة وذلك لتنشيط الحوار.

‎وعليه نوصي بمتابعة هذه الجهود ونكلّف نيافة الأنبا توماس، أسقف القوصيّة ومير بالتّواصل مع نيافة المطران عمّانوئيل الرّئيس المشارك للحوار لمتابعة هذا الأمر.

  1. أخذنا عِلمًا باللّقاءات الّتي تمّت في لجنة التّعاون بين الكنيسة الرّوسيّة الأرثوذكسيّة والكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وذلك في مجال الخدمة الاجتماعيّة وخدمة الدّياكونية وتبادل الزّيارات الرّهبانيّة والخدمة الرّعويّة للرّوس بمصر والأقباط الأرثوذكس في روسيا.

‎كذلك ما تمّ بين الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة والكنيسة الرّوسيّة الأرثوذكسيّة من لقاءات في إطار لجنة العمل المشترك الّتي تشكّلت بين الكنيستَيْن، لكي تبحث في مجالات الخدمة الاجتماعيّة والإنسانيّة، المجال الأكاديمي، المجال الثّقافيّ والحضاريّ، مجال خدمة الشّبيبة، الحياة الرّهبانيّة، والمجال الإعلاميّ.

‎ب. الحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة:

‎نُثني على تقدّم واستمرار الحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة والّذي تتمّ فيه مناقشة عدّة مواضيع تخصّ الأسرار السّبعة للكنيسة والسّيّدة العذراء مريم في الكتاب المقدّس والتّقليد الكنسيّ (الماريولوجيّ)، ونصلّي من أجل نجاح الاجتماع المقبل الّذي سينعقد بمركز لوجوس للمؤتمرات بالمقرّ البابويّ بدير الأنبا بيشوي بوادي النّطرون- مصر، خلال المدّة من 29 يناير/ كانون الثّاني إلى 5 فبراير/ شباط 2023م.

‎ج. الحوار اللّاهوتيّ مع الكنيسة الأنجليكانيّة:

‎منذ أن تمّ استئناف الحوار مع الكنيسة الأنجليكانيّة عام 2013م، تمّ التّوصُّل إلى عدّة اتّفاقيّات تدرسها الكنائس، ونوصي باستمرار هذا الحوار.

‎ثالثًا: المجالس المسكونيّة :

‎1- مجلس كنائس الشّرق الأوسط:

‎نشكر الله الّذي سمح أنْ تُعقد الجمعيّة العامّة الثّانية عشر لمجلس كنائس الشّرق الأوسط بمصر لأوّل مرّة خلال المدّة من 16 – 20 مايو/ أيّار 2022م في مركز لوجوس للمؤتمرات الّذي هو دليل ساطع على حيويّة الكنيسة القبطيّة في الشّرق الأوسط والعالم، وفي نفس الوقت فخر للكنيسة القبطيّة ولكلّ العائلة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة. حضر هذه الجمعيّة من رؤساء الكنائس ستّة عشر بطريركًا ورئيس كنيسة وقد كان لهم لقاء مع فخامة السّيّد الرّئيس عبد الفتّاح السّيسيّ رئيس جمهوريّة مصر العربيّة.

‎وبحسب القانون الأساسيّ والنّظام الدّاخليّ للمجلس تمّ انتخاب رؤساء المجلس وأعضاء اللّجنة التّنفيذيّة، إذ سيُمثّل عائلتنا في المجلس ولمدّة أربع سنوات حتّى 2026م: نيافة الأنبا أنطونيوس مطران القدس والكرسيّ الأورشليميّ رئيسًا عن العائلة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة، ومعه خمسة أعضاء باللّجنة التّنفيذيّة بالإضافة إلى عضوَيْن رديفَيْن.

‎ونصلّي من أجل نجاح أعمال المجلس وتوفيقه.

‎2- مجلس الكنائس العالميّ:

‎نشكر الله الّذي سمح بعقد الجمعيّة العامّة الحادية عشر بمدينة كارلسرويه بألمانيا خلال المدّة من 31 أغسطس/ آب– 8 سبتمبر/ أيلول 2022م، وقد مثَّلت كنائسنا وفود كان لها حضورها، وخلال هذه الجمعيّة العامّة تمّ انتخاب قداسة الكاثوليكوس آرام الأوّل كأحد رؤساء مجلس الكنائس العالميّ عن العائلة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة، وتمّ انتخاب نيافة الأنبا توماس أسقف القوصيّة ومير، عضوًا باللّجنة التّنفيذيّة، كما تمَّ انتخاب خمسة أعضاء يمثّلون كنائسنا في اللّجنة المركزيّة.

‎ونؤكّد على دعم كنائسنا لمجلس الكنائس العالميّ في رسالته المسكونيّة ودعوته لصنع السّلام من خلال الحوار والسّعي لنقل العالم إلى المصالحة، ونبذ الكراهيّة وقبول الآخر.

‎كما ندعم الإجراءات الّتي تسهم في الحفاظ على المناخ والبيئة، وفي هذا السّياق نُشيد بانعقاد مؤتمر المناخ COP 27 في شهر نوفمبر القادم في مدينة شرم الشّيخ- مصر.

‎رابعًا: أخبار كنائسنا:

‎عرضنا لأهمّ الأنشطة الّتي تمّت في كنائسنا والسّيامات الأسقفيّة وتقديس الميرون وتدشين الكنائس في بلاد الشّرق والمهجر، والاهتمام بالميديا المسيحيّة الكنسيَّة (القنوات الفضائيّة المسيحيّة) ولقاءات الشّبيبة المحلّيّة والعالميّة، والاهتمام بالمعاهد اللّاهوتيّة والمراكز الثّقافيّة ومراكز التّربية الدّينيّة ومدارس الأحد، والزّيارات الرّعويّة والزّيارات الرّسميّة للمسؤولين، وناقشنا شؤون أبنائنا في الشّرق الأوسط وما يعانون منه ويكابدونه من ضغوطات وصعوبات الحياة على الأصعدة كافّةً.

‎ونهنّئ الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة بالاحتفال بمرور ألف وخمسمائة عام على نياحة القدّيس مار يعقوب السّروجيّ مِلْفان (معلِّم) الكنيسة.

‎خامسًا: الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة بالهند:

‎إستمعنا إلى تقرير حول وضع الكنيسة السّريانيّة في الهند واطّلعنا على جهود البطريركيّة السّريانيّة الأرثوذكسية من أجل الوفاق والتّقارب وإيجاد حلّ لهذه المشكلة.

‎ونصلّي من أجل نجاح جهود المصالحة وضمان حرّيّة المؤمنين في ممارسة عبادتهم في كنائسهم.

‎سادسًا: الكنيسة الإريتريّة الأرثوذكسيّة :

‎نشكر الله على اللّقاء التّاريخيّ الّذي تمّ يوم السّبت الموافق 9 يوليو/ تمّوز 2022م، حيث التقى قداسة البابا تواضروس الثّاني بقداسة أبونا كيرلّس الأول بطريرك الكنيسة الإريتريّة وذلك بالمقرّ البابويّ بالقاهرة وبدأت صفحة جديدة في العلاقة بين الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة والكنيسة الإريتريّة الأرثوذكسيّة.

‎سابعًا: قضيّة دير السّلطان بالقدس التّابع للكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة:

‎تألّمنا للأحداث الّتي تمَّت مؤخرًا في قضيّة دير السّلطان بالقدس التّابع للكنيسة القبطيّة والّذي استولى عليه رهبان إثيوبيّون ومحاولات وضع العلم الإثيوبيّ خلال احتفالات عيد القيامة لمحاولة إثبات ملكيّتهم، ونحن نؤيّد ونساند الكنيسة القبطيةّ في أحقّيّتها بملكيّة هذا الدّير القبطيّ التّاريخيّ.

‎ختامًا:

‎نشكر الرّبّ الإله لقيادته إيّانا في مناقشاتنا وقراراتنا كافّة، ونسأله أن يفيض فينا دائمًا قوّةً وشجاعةً وحكمة لنعمل من أجل وحدة كنيسته الّتي اقتناها بدمه الكريم، وأن نُحافظ على قطيع المسيح الّذي اؤتمنّا عليه، كما نصلّي من أجل الأمن والسّلام والعدل والاستقرار في العالم أجمع، وخاصّةً في شرقنا الأوسط الحبيب مهد المسيحيّة والّذي نحن من جذوره حضاريًّا وثقافيًّا ولنا دورًا أساسيًّا هامًّا فيه على الأصعدة كافّة، ولهذا نكرّر دعوتنا لأبنائنا أن يظلّوا ثابتين ومتجذّرين كلٌ في وطنه مقدّمين شهادة حيّة عن إيماننا المسيحيّ بالمحبّة والتّسامح والعيش المشترك مع إخوتنا في الإنسانيّة وشركائنا في الوطن.

‎نشكر كلّ الجهات الّتي تعاونت معنا في تسهيل إقامة هذا الاجتماع، كما نشكر أيضًا الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة على استضافتها لنا.

‎المجد للثّالوث القدّوس الآب والابن والرّوح القدس الإله الواحد، آمين.”