تم نشر النص الذي سيكون أساس الأعمال و”الإطار المرجعي” للمرحلة الثانية من المسيرة السينودسيّة التي بدأها البابا في عام ٢٠٢١.
هناك الفقراء والسكان الأصليين، والعائلات، والمطلقون والمتزوجون من جديد والآباء الوحيدين، والمثليين والنساء الذين يشعرون “بالإقصاء”. هناك ضحايا الانتهاكات أو الاتجار بالبشر أو العنصرية. كهنة وكهنة سابقون وعلمانيون ومسيحيون وأشخاص بعيدون عن الكنيسة، والذين يرغبون في إصلاحات حول الكهنوت ودور المرأة، والذين “لا يشعرون بالراحة بعد التطورات الليتورجية للمجمع الفاتيكاني الثاني”. هناك من يعيش في بلاد الاستشهاد، ومن يتعامل يومياً مع العنف والصراعات، ومن يحارب السحر والقبلية. باختصار، هناك البشرية جمعاء، بجراحها ومخاوفها، ونواقصها واحتياجاتها، داخل حوالي ٤٥ صفحة تشكل وثيقة المرحلة القارية. إنها الوثيقة التي ستستخدم كأساس لأعمال المرحلة الثانية من المسار السينودسي الذي أطلقه البابا فرنسيس في أكتوبر ٢٠٢١ بمشاورة شعب الله. وخلال هذه المرحلة الأولى، شارك المؤمنون في كل أبرشية في جميع أنحاء العالم في عملية “إصغاء وتمييز”. وتم تلخيص نتائج الاجتماعات والدعوات والحوارات والمبادرات المبتكرة وإرسالها إلى الأمانة العامة للسينودس، حيث تمَّ جمعها الآن في وثيقة واحدة: “وثيقة المرحلة القارية”. تمّت صياغة النص بلغتين (الإيطالية والإنكليزية) ويريد هذا النص أن يسمح بالحوار بين الكنائس المحلية وبين الكنيسة المحلية مع الكنيسة الجامعة”. هو ليس ملخصًا، وليس وثيقة تعليمية، ولا مجرد سرد للخبرات المحلية، وإنما وثيقة عمل تسعى إلى إبراز أصوات شعب الله، بحدسها، أسئلتها، وخلافاتها. في الواقع، تُظهِر الملخصات أن العديد من الجماعات قد فهمت السينودس كدعوة لكي تضع نفسها في الإصغاء للذين يشعرون بأنهم منفيون من الكنيسة”. كثيرون هم ومختلفون الذين يشعرون “بالإهانة والإهمال وسوء الفهم”، وأولهم “النساء والشباب الذين لا يشعرون بأنّه لا يتم الاعتراف بمواهبهم وقدراتهم”. لذلك شكّل الإصغاء إليهم بجدية خبرة “تحويلية”.
من بين الذين يطلبون حوارًا أكثر حزمًا وفسحة أكثر مضيافة، نجد على سبيل المثال، كهنة سابقون تركوا الخدمة الكهنوتيّة لكي يتزوّجوا. وتشير الوثيقة إلى “أهمية توفير أشكال من الاستقبال والحماية لنساء وأطفال الكهنة الذين فشلوا في عيش عفّتهم، لكي لا يكونوا عرضة للظلم والتمييز”. يطلب الاستقبال أيضًا الذين ولأسباب مختلفة يشعرون بالتوتر بين الانتماء إلى الكنيسة وعلاقاتهم العاطفية”. مطلقون ومتزوجون مرة أخرى، والدون عازبون، وأشخاص يعيشون في زواج متعدد الزوجات، وأفراد من مجتمع الميم. تعبر العديد من الملخصات عن الأسف والقلق لأن الكنيسة لم تتمكن دائمًا من أن تبلغ بشكل فعال فقراء الضواحي والأماكن النائية. وبكلمة فقراء لا نعني فقط الأشخاص المعدمين، وإنما أيضًا المسنين الوحيدين، والسكان الأصليين، والمهاجرين، وأطفال الشوارع، ومدمني الكحول ومدمني المخدرات، وضحايا الاتجار بالبشر، والناجين من الانتهاكات، والسجناء، والمجموعات التي تعاني من التمييز والعنف على أساس العرق والإثنية والجنس. يظهر صوتهم في معظم الأوقات لأن الآخرين ينقلونه. وعندما تظهر في الملخصات فهذه الوجوه والأسماء “تطلب التضامن والحوار والمرافقة والاستقبال”.
شعار السينودس
أفادت العديد من الكنائس المحلية أنها تجد نفسها في سياق ثقافي يتسم بتراجع المصداقية والثقة بسبب أزمة الانتهاكات التي قام بها أعضاء من الإكليروس. “جرح مفتوح، لا زال يلحق الألم بالضحايا والناجين، وعائلاتهم وجماعاتهم”، كما ورد في الوثيقة، التي تقتبس مساهمة من أستراليا تؤكِّد: “كانت هناك حاجة ملحة للاعتراف بـالرعب والشر الذي تمَّ التسبب به، ولمضاعفة الجهود لحماية المستضعفين وإصلاح الضرر الذي لحق بالسلطة الأخلاقية للكنيسة وإعادة بناء الثقة”. تأمل متنبّه ومؤلم حول شر الإنتهاكات حمل العديد من المجموعات السينودسية إلى المطالبة بـ “تغيير ثقافي” في الكنيسة، من أجل مزيد من الشفافية والمسؤولية. ترتبط الدعوة إلى “ارتداد للثقافة” في الكنيسة بإمكانية إنشاء “ممارسات وهيكليات وعادات جديدة”. وهذا الأمر يتعلق قبل كل شيء بدور المرأة ودعوتها “للمشاركة في حياة الكنيسة على أكمل وجه”. إنها نقطة حرجة موجودة، بأشكال مختلفة، في جميع السياقات الثقافية وتتعلق بمشاركة النساء العلمانيات والراهبات والاعتراف بهنَّ.
في الواقع، يصل النداء من جميع القارات لكي “يتمَّ تقدير النساء الكاثوليكيات أولاً كمعمَّدات وأعضاء في شعب الله بكرامة متساوية”. وبالتالي كان هناك إجماع تقريبًا على القول بأن العديد من النساء “يشعرن بالحزن لأن حياتهن غالبًا ما تكون غير مفهومة جيدًا” وأن “مساهمتهن ومواهبهن لا تقدر على الدوام”. تحديان مترابطان يجب على الكنيسة مواجهتهما: “تبقى النساء غالبية الذين يشاركون في الاحتفالات الليتورجية والنشاطات أما الرجال فهم أقلية؛ ومع ذلك، فإن معظم أدوار صنع القرار والحكومة يشغلها الرجال. لذلك من الواضح أنه يجب على الكنيسة أن تجد طريقة لجذب الرجال إلى عضوية أكثر فاعلية في الكنيسة والسماح للنساء بالمشاركة بشكل أكمل في جميع مستويات حياة الكنيسة”. كذلك يتحدث الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عن ضعف المشاركة والاعتراف بهم: “إنَّ أشكال التمييز التي يتمَّ تعديدها – غياب الإصغاء، وانتهاك الحق في اختيار المكان الذي يعيشون فيه والأشخاص الذين يعيشون معهم، منعهم عن الأسرار، والاتهام بالسحر، والإنتهاكات وغيرها – تصف ثقافة الإقصاء تجاه الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة. وبالتالي فهي لا تولد عن طريق الصدفة، وإنما لديها الجذور المشتركة عينها: فكرة أن حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة هي أقل قيمة من حياة الآخرين.
تبرز في الوثيقة أيضًا شهادة الإيمان التي تُعاش حتى الاستشهاد في بعض البلدان، حيث يجب على المسيحيين، ولاسيما الشباب، مواجهة “تحدي الارتداد القسري المنهجي إلى ديانات أخرى”. هناك العديد من الملخصات التي تسلّط الضوء على “انعدام الأمن والعنف الذي يجب أن تتصدى له الأقليات المسيحية المضطهدة”. فنجد حديثًا عن تعصب ومجازر أو حتى – كما تؤكد الكنيسة المارونية – “أشكال من التحريض الطائفي والعرقي” تحولت إلى صراعات مسلحة وسياسية، تجعل حياة الكثير من المؤمنين في العالم مؤلمة. ولكن حتى في “حالات الهشاشة” هذه، عرفت الجماعات المسيحية كيف تفهم الدعوة الموجهة إليها لبناء خبرات السينودسية والتفكير فيما يعنيه السير معًا. كذلك يبرز أيضًا التزام شعب الله بالدفاع عن الحياة الهشة والمهددة في جميع مراحلها. على سبيل المثال، بالنسبة لكنيسة الروم الكاثوليك الأوكرانية، يعتبر جزء من السينودسيّة “إيلاء اهتمام خاص للنساء اللواتي يقررن الإجهاض بسبب الخوف من الفقر المادي والرفض من قبل العائلات في أوكرانيا؛ وتعزيز عمل تربوي بين النساء المدعوات لاتخاذ خيار مسؤول عندما يجدن أنفسهن في مراحل صعبة في حياتهن، بهدف الحفاظ على حياة الجنين وحمايتها ومنع اللجوء إلى الإجهاض.