استقبل البابا فرنسيس صباح الخميس أعضاء الكوريا الرومانية لتبادل التهاني بحلول عيد الميلاد كما جرت العادة سنوياً، ووجه للحاضرين خطاباً توقف فيه عند أهمية الارتداد وتطرق أيضا إلى مسألة السلام، مشددا على أن ثقافة السلام تُبنى انطلاقاً من قلب الإنسان ومتمنيا أن نحصل في عيد الميلاد هذا على ثلاث هدايا هي الامتنان والارتداد والسلام.
استهل البابا كلمته متحدثا عن مجيء الرب يسوع إلى هذا العالم، لافتا إلى أنه اختار الفقر، وبالتالي فإن كل واحد منا مدعو اليوم للعودة إلى ما هو جوهري في الحياة، والتخلص من كل ما هو فائض والذي يعيق مسيرة القداسة. بعدها أكد البابا أنه لا بد أن نتذكر على الدوام الخير الذي صنعه معنا الله، وبالتالي لا بد من الشعور بالامتنان تجاه الرب، مشيرا إلى قصة البرص العشرة في الإنجيل الذين أبرأهم يسوع، وقد عاد واحد منهم فقط ليشكره، وكان سامرياً، وهذا التصرف سمح لهذا الرجل بالحصول على الشفاء الجسدي وعلى الخلاص أيضا. فاللقاء مع الخير الذي صنعه معنا الله لا يقتصر على الأمور الشكلية إنما يلامس أعماقنا. وذكّر البابا بأن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الإنسان هو أن يعتقد أنه ليس بحاجة إلى الارتداد، أكان على المستوى الفردي أم الجماعي. وهذا الارتداد يعني أخذ رسالة الإنجيل على محمل الجد، والعمل على تطبيقها في حياتنا اليومية.
بعدها لفت الحبر الأعظم إلى أن هذه السنة صادفت الذكرى الستون على بداية أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني، موضحا أن الارتداد الذي منحنا إياه المجمع هو مساعدتنا على فهم الإنجيل بصورة أفضل، وعلى جعله آنياً وفاعلاً في هذه المرحلة التاريخية. وذكّر البابا بأن الهرطقة الحقيقية لا تقتصر على التبشير بإنجيل آخر، كما يقول القديس بولس، إنما تتمثل أيضا بالعدول عن ترجمة الإنجيل إلى اللغات والأنماط الراهنة. وأشار فرنسيس إلى أن مشكلة الإنسان الكبيرة هي عندما يضع ثقته في نفسه، في إستراتيجياته ومشاريعه الخاصة. فيأتي الفشل ليذكّرنا بضرورة وضع ثقتنا بالرب وحده. كما أن إخفاقات الكنيسة تذكرها بوضع المسيح في المحور.
هذا ثم أكد البابا أنه لا يكفي الإبلاغ عن الشر الموجود في وسطنا إذ لا بد من العمل على الارتداد إزاءه، وبهذه الطريقة يتحقق التبدل الذي يحررنا من منطق الشر. وهنا لا بد من السهر. فعندما نتغلب على الشر يبتعد عنا لكن من السذاجة أن نعتقد أنه لن يعود، لأنه يأتي مجدداً بحلة جديدة. وثمة حاجة إلى التعرف إليه والكشف عنه.
مضى البابا إلى القول إن الرب يسوع روى العديد من الأمثال في الإنجيل، ومن بينها مثل الابن الضال، ولفت إلى أن المثل يتحدث أيضا عن الابن البكر الذي لم يكن ضالاً، فهو لم يكن سعيداً مع أنه كان في بيت أبيه. وأضاف أنه قد نشعر أننا كالابن الضال، الذي ابتعد عن أبيه، وقد ارتكبنا خطايا أذلتنا، لكن لا بد من التنبه من وجودنا في بيتنا، في نطاق خدمة الكرسي الرسولي، وهذا الأمر قد يُشعرنا أننا بأمان، وأننا لسنا بحاجة إلى الارتداد.
تابع البابا خطابه إلى أعضاء الكوريا الرومانية متناولا قضية السلام، وذكّر بأن النبي أشعياء يصف المسيح بأمير السلام. وقال إننا نشعر اليوم وأكثر من أي وقت مضى بالرغبة في تحقيق السلام، لافتا إلى أنه يفكر بأوكرانيا الجريحة، وبالعديد من الصراعات الدائرة حول العالم. وقال إن الحرب والعنف هما ضرب من الفشل، محذراً من مغبة أن تساهم الأديان في تغذية الصراعات، لأن الإنجيل هو دائماً إنجيل السلام، ولا يمكن أن توصف حرب بالمقدسة باسم أي إله كان. وأضاف البابا أنه حيث يسود الموت والانقسام والصراع يمكننا أن نرى المسيح المصلوب، داعيا الجميع إلى توجيه فكرهم نحو الأشخاص المتألمين.
هذا ثم شدد البابا فرنسيس على أن ثقافة السلام لا تُبنى فقط بين الشعوب والأمم، إذ لا بد أن تبدأ من قلب كل واحد منا. وأكد أنه إزاء الحرب والعنف ينبغي أن نساهم في تحقيق السلام من خلال استئصال الحقد والضغينة من القلوب. وشجع فرنسيس الحاضرين على التساؤل حول ما إذا كانت توجد مرارة في قلوبهم مذكرا بأن القديس بولس الرسول يقول إن أعمال الخير والرحمة والمغفرة هي الدواء الكفيل بتحقيق السلام. ولفت فرنسيس إلى أن العنف لا يقتصر على استخدام السلاح، لأن هناك العنف اللفظي والنفسي أيضا، وسوء استخدام السلطة. وقال: لنلقِ هذه الأسلحة كلها أمام أمير السلام الآتي إلى هذا العالم.
وتناول البابا بعدها موضوع الرحمة، موضحا أن المسألة تتطلب الاعتراف بمحدودية الآخرين، وهذا الأمر ينطبق على المؤسسات وعلى الكنيسة أيضا، لأنه لا توجد كنيسة طاهرة للأشخاص الطاهرين، والكتاب المقدس يحدثنا عن إخفاقات أشخاص كثيرين نعتبرهم اليوم قديسين. أما المغفرة فهي تعني أن نمنح الشخص الآخر فرصة إضافية، وهذا ما يفعله الله معنا، إنه يغفر لنا ويساعدنا على الوقوف مجدداً، وهذا ما يجب أن نفعله مع الآخرين.
ختم الحبر الأعظم خطابه قائلا إن كل حرب، وكي تنتهي، تحتاج إلى المغفرة وإلا تحولت العدالة إلى انتقام، واعتُبرت المحبة شكلاً من الضعف. وذكّر فرنسيس بأن الله صار طفلا، وهذا الطفل صار رجلاً وعُلق على الصليب ومن خلال ضعفه هذا تجلت قدرة الله. وأمل البابا أن نحصل في عيد الميلاد هذا على ثلاث هدايا هي الامتنان والارتداد والسلام.
كما والتقى البابا الموظفين في دولة حاضرة الفاتيكان لتبادل التهاني بعيد الميلاد المجيد
“أول أمنية أتمناها لكم ولي هي الهدوء والطُمأنينة؛ والأمنية الثانية هي أن نكون شهودًا وصانعي سلام” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته لموظفي الكرسي الرسولي ودولة حاضرة الفاتيكان
التقى قداسة البابا فرنسيس ظهر الخميس في قاعة بولس السادس موظفي الكرسي الرسولي ودولة حاضرة الفاتيكان لتبادل التهاني بعيد الميلاد المجيد وقد وجه للمناسبة كلمة قال فيها علينا أولاً أن نشكر الرب لأننا بمساعدته تغلبنا على مرحلة الوباء الحرجة. لن ننسى ذلك أبدًا! عندما كنا في الحجر كنا نقول: من يدري كيف سيكون الأمر عندما سنصبح مجدّدًا أحرارًا في التحرك، واللقاء ببعضنا البعض، وما إلى ذلك. ثم، ما إن تغيرت الأمور، فقدنا ذاكرتنا وسرنا قدمًا كما لو لم يحدث شيء. وربما لم نشكر الرب حتى! هذا الأمر ليس مسيحيًا ولا حتى إنسانيًّا. لا، نحن نريد أن نشكر لأننا تمكنا من أن نعود إلى العمل، وحاولنا أن نتغلب على بعض المشاكل الرئيسية التي نشأت خلال الفترة الأكثر صعوبة.
تابع الأب الأقدس يقول لا يجب أن ننسى أيضًا لأن الفترة الطويلة للوباء قد تركت بصماتها. وليس فقط عواقب مادية واقتصادية؛ بل تركت أيضًا علامات في حياة الأشخاص، وفي العلاقات، وفي هدوء العائلات. لهذا السبب أتمنى لكم اليوم الهدوء والطُمأنينة أولاً: الهدوء والطُمأنينة لكل واحد منكم ولعائلاتكم. إنَّ الهدوء لا يعني أن كل شيء على ما يرام، وأنه ليس هناك مشاكل أو صعوبات. لا ليس الأمر هكذا. توضح لنا عائلة يسوع ويوسف ومريم المقدّسة هذا الأمر. يمكننا أن نتخيل، عندما وصلوا إلى بيت لحم، بدأت العذراء تشعر بالآلام، ولم يكن يعرف يوسف إلى أين يذهب، فقرع الكثير من الأبواب، ولكن لم يكن هناك مكان… ومع ذلك في قلب مريم ويوسف كان هناك هدوء يأتي من الله ومن الإدراك بأنّهما في مشيئته، ويبحثان عنها معًا، في الصلاة والمحبة المتبادلة. هذا ما أتمناه لكم: أن يؤمن كل واحد منكم بالله وأن يكون هناك في العائلات بساطة الاتكال على مساعدته ورفع الصلاة إليه وشكره.
أضاف الحبر الأعظم يقول أريد أن أتمنى الهدوء والطُمأنينة لاسيما لأبنائكم، لأنهم تأثروا بشكل كبير بالإغلاق، وتراكم لديهم الكثير من التوتر. إنه أمر طبيعي، إنه أمر لا مفر منه. لكن لا يجب أن نتجاهل ذلك، بل علينا أن نفكر ونحاول أن نفهم، لأن الخروج بشكل أفضل من الأزمة لا يحدث بالسحر، وإنما علينا أن نعمل على ذواتنا بهدوء وصبر. يمكن للأطفال أن يفعلوا ذلك أيضًا، طبعًا بمساعدة والديهم وأحيانًا بمساعدة أشخاص آخرين، ولكن من المهم أن يدركوا هم أيضًا أن الأزمات هي مراحل نمو وتتطلب منا أن نعمل على أنفسنا.
تابع الأب الأقدس يقول هذه هي أول أمنية أتمناها لكم ولي: الهدوء والطُمأنينة. والأمنية الثانية هي أن نكون شهودًا وصانعي سلام. في هذه المرحلة من تاريخ العالم، نحن مدعوون لأن نشعر بقوة أكبر بمسؤولية كل فرد بأن يقوم بدوره في بناء السلام. وهذا الأمر له معنى خاص بالنسبة لنا نحن الذين نعيش ونعمل في مدينة الفاتيكان. ليس لأن هذه الدولة الصغيرة، الأصغر في العالم، لها ثقل مميّز وخاص، لا ليس لهذا السبب؛ وإنما لأن لدينا الرب يسوع المسيح كرأس ومعلم، يدعونا لكي نوحِّد التزامنا اليومي المتواضع بعمله في المصالحة والسلام. بدءا من البيئة التي نعيش فيها، من العلاقات مع زملائنا، وكيفية تعاملنا مع سوء الفهم والصراعات التي يمكن أن تنشأ في العمل؛ أو في البيت أو في البيئة العائليّة؛ أو حتى مع الأصدقاء أو في الرعية. هناك يمكننا أن نكون بشكل ملموس شهودًا وصانعي سلام.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أتقدّم بأطيب التمنيات منكم ومن أحبائكم. انقلوا سلامي لأطفالكم ومسنيكم في البيت: إنهم كنز العائلة وكنز المجتمع. وأشكركم: أشكركم على كل ما تقومون به هنا، على عملكم وكذلك على صبركم، في بعض الأحيان، لأنني أعرف أن هناك مواقف عليكم أن تتحلوا فيها بالصبر: أشكركم على ذلك. علينا جميعًا أن نمضي قدمًا بصبر وفرح ونشكر الرب الذي يعطينا نعمة العمل هذه، ولكن علينا أن نحافظ على العمل وأن نقوم بذلك بكرامة. شكرًا لكم على ذلك، شكرًا لكم على تقومون به هنا. أبارككم من كلِّ قلبي وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي. وميلادًا مجيدًا لكم جميعًا!