نعم إنها جدلية الميلاد الممتدة بين الروح والجسد. جدلية ابن الإنسان يحّل فينا فيتحول الجسد إلى جوهر. إنها جدلية تكاملية هيكلية فنسيج خيوط الروح من خيوط النور الإلهي في مغارة تُجسّد فينا تواضعاً عميقاً. لعّل مغارة بيت لحم إذ تُجسّد فينا التواضع تبعث في الجسد أماناً ننتظره وسلاماً ننشده. فالعقل في الجسد هو هوية الروح التي بها نعرف أنفسنا وبالتالي تقودنا إلى ما نصبو إليه من سعادة غير متوفرة على أرضنا وفي حياتنا.
إن العقل بحكم كونه قائداً للمسيرة الحياتية ورائداً طليعياً نسترشد به فإنّه يمثل الحياة الطبيعية للإنسان إذ يكون الميلاد فيه هو الجوهر والنور الذي يضيء لنا دروب العتمة ويزيل كافة الصعاب عن دربنا وعهد لنا حياةً ولو لم تكن هنيئة بالجسد لكنها تنعش الروح حين تلتقي بنور الله، فمغارة بيت لحم هي العقل الذي يقودنا إلى حيث نريد كما قادت المغارة النور والسلام العالمي إلى الإنسان والوجود. فهل نعرِّف أنفسنا إلا بالميلاد؟ إذن هو الميلاد الديالكتيك المتجدد فينا فنولدَ كل لحظة مع المسيح ونتأله كما أراد الله لنا أن نكون. فبالعقل نعرف من نحن، وبالروح الإلهي أي الميلاد نصبح أولاداً مسيحيين وبالجسد نحيا كما ولدنا، فالميلاد هو عطاء السماء للجسد وهو العقل المنشود دوماً وهو الروح المحركة داخلياً. هذه هي فلسفة المسيحية في الميلاد. إنها فلسفة الروح تعمل على أن تستقيم حياتنا. لسنا شموعاً نُحرق ونضيء دون حرارة بل نحن شموع الروح نضيء من داخلنا على ما سوانا.
فيا ميلاد المسيح حرر دربنا من العوائق واربط عقولنا وأجسادنا ربطا سيكولوجيا وحرِّك أيامنا بالتجدد الدائم للمسيح وأنمي في قلوبنا وعقولنا نور مغارتك المتفجر في الجسد يومياً وأقم حرارة الإيمان كلما بردت نفوسنا نحو التطلّع للسماء وأنمي فينا حرارة الشمس ونورها لأنه لا نور للشمس إلا إياك أنت شمس العدل وحياة النفس، وحرك فينا دوما العمل على طرق الوصول إليك، فلا حياة لنا إلا بك لأنك البداية والنهاية ولعّل أغنية عبد الوهاب “طيفك تَملّي يشاغلني .. مطرح ما أروح يغالبني” جديرة بهذا المقام.