تطوي سنة 2022 صفحتها الأخيرة وتودعنا بكل ما فيها من أفراحٍ وأتراح، من صعودٍ نحو القمة أو سقوطٍ إلى الهاوية. في نهاية سنة وبداية أخرى، لا بد من وقفة تأمل في السنة الماضية وفحص ضمير وجردة حساب، للتقييم وأخذ العبرة من الأحداث التي مرت بحياتنا، والدروس من الأشخاص الذين تعاملنا معهم. نُعدد بركات الله ونعمه الغزيرة علينا وما حققناه في السنة الماضية، بعظيم الشكر والأمتنان، وننظر بشغفٍ للعام الجديد المملوء بالأمل والرجاء.
في السنة الماضية، هناك من كانت حياته مملوءة بالنجاح على مستوى العمل والمال، الدراسة والعائلة، وهناك من فشل. البعض َيردُ ذلك للحظ أو تقلبات الزمن عليه أو بسبب بعض الأشخاص السيئين في حياته، وغيرها من الأسباب والأعذار التي قد تكون أحياناً حقيقية وتارة وهمية.
على المستوى الوطني والإنساني تعلمتُ أن أحب الوطن وأعمل من أجل رفعته وأدافع عنه. أن أحب أخي وشريكي في المواطنة الذي أعيش معه وقريب مني، وأكرمه وأحترمه. لا أنتظر أن أقدره وأقوم بواجبه عندما يغادر هذه الدنيا الفانية، لكي أعبر له عن محبتي وتقديري بكلمات رثاء وباقة من الورود.
على المستوى الشخصي، خلال الخمسين سنة الماضية، تعلمت الكثير في حياتي الخاصة، وبدأت أكتب في مذكراتي الخبرات التي مررت بها، والدروس التي علمتني أياها الحياة، والأشخاص الذين مروا بحياتي وأثروا فيَّ بشكلٍ سلبي أو أيجابي. ونحن على عتبة سنة 2023 أشارك بعضها بأختصار شديد.
علمتني الحياة الإعتماد على الله، في كل ظرف أو صعوبة، أو مشكلة مهما كانت كبيرة وشائكة، أن أضعها بين يدي الله القادر على كل شيء.
علمتني الحياة أن أعود إلى نفسي وأحاسبها، وأنظر إلى أخطائي، لذلك لم يعد هناك لدي وقت للنظر إلى سلبيات الآخرين وهفواتهم أو عيوبهم. أصبحت أنظر إلى الجمال والأمر الإيجابي في كل شخص أقابله.
علمتني الحياة أن أصغي إلى الآخر وأحاول أن أضع نفسي في مكانه، لكي ما أتمكن من فهمه بشكل أفضل، لكي أتعلم الدروس والعبرمن تجارب وحياة كل إنسان يمر بي.
علمتني الحياة أن أسعى جاهداً لكيما أكون ذلك الشخص الإيجابي، صاحب القلب الطيب المتواضع والروح الجميلة. ان أكون شخصاً مريحاً، بحيث إذا كنت مع الآخرين يتمنون أن تطول مدة البقاء معهم، وأن لا أكون لئيماً، متكبراً، يتمنى الشخص الذي أجلس معه أن ينتهي اللقاء به بأسرع وقت ممكن.
أن محبة الناس هي من حب الله، كنز لا يقدر بثمن، لكن لا تفعل الأشياء فقط من أجل أن ترضي الآخرين، بل أفعل ما يرضي الله بضمير مرتاح. لا تستمع إلى الأشخاص السلبين المُحبِطين، ولا تسمح لهم بأن يؤثروا عليك ويدفعوك للوراء، بل أحط نفسك بالأشخاص الإيجابين الذين يساعدونك أن تتقدم إلى الأمام.
العمل بجهد وأخلاص وأمانة ومحبة بغض النظر عن مع من أكون، وفي أي مكان أقيم أو أي في ظروف أمر به. من المهم أن أقدم أفضل ما عندي الآن، وأن لا أقف موقف المتفرج، وأنتظر فرصة ربما لن تأتي أبداً. كن لاعباً له حضور ورسالة ودور داخل الملعب، ولا تكن على المدرجات مع الجمهور، بلا هدف ولا معنى.
أن الحلم يتحقق فقط لمن يؤمن به وبرسالته، ويكون صاحب رؤية وأفق وهدف، والزمن يكشف إذا كان حلمك واقعياً ويمكن تحقيقه أم أنه مجردُ وهمٌ وخيال.
على أعتاب السنة الجديدة المقبلة علينا بخير، عليك أن لا تهتم لما حدث في الماضي، فقد ولى بلا رجعة، لأنه لا يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فاللحظة التي تمر تمضي بلا عودة ولا يمكن استردادها. المهم هو عيش اللحظة الحاضرة بكل إيجابية وفرح وسلام، وشعف وحب للحياة.
نطلب من الله أن تكون السنة الجديدة مملوءة بالخير والبركات والنعم، وأن تفيض على حياتك وعائلتك ووطنك. كما نصلي أن يَعِّم السلام والمحبة والإزدهار في وطننا الأردن والعالم أجمع.
وكل عام وأنتم بألف بخير وصحة وسلامة
الأرشمندريت د. بسام شحاتيت
النائب الأسقفي العام للروم الكاثوليك