من حقنا أن نستغرب عن تقدم الكثير من الدول في كافة مجالات الحياة، لا وبل وأن يستهوينا الرحيل إليها والعيش فيها لما توفّره من وسائل الراحة والترفيه وجودة التعليم والعلاج وشبكة الأمان الإجتماعي، فهذه كلها مشتهى الشعوب والأمم.
وسَعي الدول الناجحة هو تحقيق أعلى درجات الرخاء للمواطن والشعور بالراحة والطمأنية والأمان، مما يولّد لدى الفرد ويعطيه المساحة للإبداع في مجالات الحياة المتعدِّدة، مسهما بذلك في التقدم الحضاري والإنساني والعالمي بما يفيد والأوطان والإنسانية جمعاء.
فمع إستغرابنا هذا لا يجب أن يفوت علينا أنّ التقدم والبناء والنهضة ليس وليد صدفة وإنما يحتاج إلى سنوات من العمل والجهد وربما النحت بالصخر، فالأمور لا تتأتى بسهولة، والنجاح لا يتحقق من غير جهد وتعب وكد وسهر الليالي، فما قد نراه من نجاح وتقدم هو الأمر الظاهر أمام أعيننا فيبهرنا ويأسرنا، ولكننا لا يجب أن نغفل عن سنوات الزرع والعمل الجاد والمتواصل والمخلص من أجل تحقيق أفضل النتائج وأحسنها. وبنظرة سريعة لمجتمعاتنا العربية فإننا نرى فرحة الأهل بأبنائهم عندما يحققون النجاحات العلمية والأكاديمية فيمهدون الطريق للمساهمة في بناء الأوطان التي تحتاج إلى أبنائها عملا بالمثل القائل ” لا يحرث الأرض إلا عجولها”، فبلادنا وأوطاننا تحتاج إلى جيل مثقف ومتعلم ومطلع على ما توصّل إليه العلم الحديث من تقدم مستمر ونوعي في كافة حقول العلم والمعرفة، ولذلك نحتاج أن نزرع في قلوب أبنائنا محبةَ الأوطان والتضحية لأجلها. وربما هذا الجانب يعتبر من أهم الجوانب التي علينا أن نزرَعها في نفوس أبنائنا، فلا شيء يعادل الوطن وحب الوطن، فلا يعرف قيمة الوطن إلا من فقده أو إضطرته الظروف للهجرة أو للعيش في الغربة بحرقة وشوق كبيرين. وربما فيما يسمى بعيد الحبِّ فأجمل هدية نقدمها لهذا الوطن هو إنتماؤنا له ومحبته
من قلوبنا وعشق ترابه وجباله ووديانه وسهوله وبواديه، لأنه وقتها نقدرُ أن نعطيه كلَّ طاقتنا وكلَّ جهدنا، ولو إضطرتنا الظروف أن نضحِّيَ لأجله فهذا مكسب وشرف كبير، فالأوطان لا تبن ولا تصان إلا بالمحبة والتضحية.