لم يغير الزلزال العنيف في تركيا وسوريا وجه الأرض فحسب، بل غيَّر نفوس كل من عاش تفاصيل الكارثة وآثارها المفزعة، ملايين المنكوبين يعيشون أوقاتا عصيبة، تسيطر عليها حالة من الخوف الشديد، يصفها الأطباء النفسيون بأنها تغيرات نفسية أصابتهم نتيجة هول الكارثة التي هددت حياتهم.
وقد يتحول هذا التغير النفسي في حال لم يعالج إلى اكتئاب ما بعد الصدمة، الذي من المتوقع أن تعاني منه فئات كبيرة من المتضررين، بينما تكون الحالات الأشد تضررا عرضة لما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة. Post-Traumatic Stress Disorder، بحسب ما صرح به لسكاي نيوز عربية أستاذ الطب النفسي، بجامعة راس الخيمة للطب والعلوم الصحية، طلعت مطر.
وأشار الدكتور مطر إلى دراسة نفسية، أجريت على الناجين من زلزال نيبال عام 2015، كشفت بأن 24% من الضحايا تعرضوا لعصاب ما بعد الصدمة، كما خلصت الدراسة إلى الأسباب والعوامل المؤثرة في الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، تتلخص في الآتي:
الأسباب الوراثية
يلعب الاستعداد الوراثي والجينات القابلة للتأثر دورا مهما في التعرض لاضطراب ما بعد الصدمة، كما تشكل نسبة توافر مادة السيروتونين في الدماغ أهمية كبيرة في حماية الجهاز العصبي من الصدمات.
طريقة التفكير في الحياة
وهو ما يعرف بـ استراتيجيات التأقلم ومسايرة الحياة، وتعتمد في الغالب على القيم الدينية التي يؤمن بها الفرد التي تمنحه تفسيرا مقبولا للأحداث المؤلمة الخاضعة لإرادة الله. وفي الغالب تعتبر الاستراتيجيات الحياتية الإيجابية سلاحا فعالا يخفف على الأفراد مصابهم ويحميهم من الاستسلام للاكتئاب.
الترابط الأسري والاجتماعي
من العوامل المهمة للخروج من الأزمات والكوارث، بأقل الأضرار النفسية، حيث تزيد حالات اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمعات الانطوائية، أو بين الأشخاص الذين عاشوا في أسر ممزقة لم تمنحهم الحب الكافي.
كبار السن والنساء والأطفال هم الأكثر عرضة لعصاب ما بعد الصدمة. كذلك البالغين الذين اختبروا صدمة سابقة، من المحتمل أن يتعرضوا لإحيائها، ويتأثرون سلبا أكثر عن غيرهم.
ويحذر الدكتور طلعت استشاري الأمراض النفسية بمستشفى راك، من تزايد حالات الأشخاص المصابين بالاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، على الرغم من عدم تواجدهم في مكان الزلزال، وذلك بسبب تأثرهم بمشاهدة ضحايا الكارثة ومناظر الدمار ومتابعتهم للتفاصيل المؤلمة، وكل هذا ولّد لديهم الخوف وأغرقهم في الاكتئاب.
ما هو علاج اضطراب ما بعد الصدمة؟
يقول الدكتور طلعت إن احتضان المصابين كبارا وصغارا، وتهدئتهم بكلمات تملؤها المحبة الصادقة، والمواساة من الإنسان لأخيه الإنسان كفيلة بالتخفيف من حدة الصدمة، ولا شك أن الإسراع بتوفير الدعم النفسي يساعدهم على تخطي هذه المرحلة الحساسة.
ومن أهم العلاجات النفسية التي تحدث عنها طلعت:
– إعادة توجيه الانتباه
يتم تشتيت التركيز على الأحداث المفجعة بإعادة توجيه الانتباه إلى أسلوب جديد للتأقلم مع الحياة، فعلى سبيل المثال يحتاج الأطفال الذين فقدوا ذويهم إلى أداة لإعادة توجيه انتباههم مثل توفير الأنشطة المحببة إليهم كاللعب والرسم والموسيقى مع مجموعة من الأطفال في أماكن رعايتهم أو في عائلات بديلة.
– العلاج بالإيثار
انخراط المصابين بالصدمة في العمل التطوعي، وتقديم المساعدة للآخرين في المحنة التي جمعتهم، يعمل على الحد من خوفهم وتحسين حالتهم النفسية بأنفسهم.
– العلاج الدوائي
يعاني المصاب باضطراب ما بعد الصدمة في الحالات الشديدة، من نوبات الفزع والرعب، فقد تستثير حركة أو إشارة بسيطة مثل اهتزاز أو صوت ذكريات الحادثة بكل تفاصيلها، بالإضافة إلى أعراض أخرى كالأفكار الاقتحامية والأحلام المزعجة.
وهنا يحتاج المريض إلى علاج دوائي يتضمن مثبطات استرداد السيروتونين Beta Blockers ومضادات الاكتئاب SSRIS ومهدئات للنوم بإشراف طبيب مختص.
– علاج خفض التحسس بحركة العين
هو علاج نفسي حديث للشفاء من الصدمات، يعتمد على جلسات تساعد الدماغ على هضم المعلومات المخزنة أثناء الصدمة، التي تكون أشبه بكتلة واحدة، ويقوم المعالج بتفكيك هذه الكتلة من المعلومات- ما بين المخ الأيمن والأيسر- أثناء تركيز المريض على ذكريات الصدمة، وتتبعه بعينيه، حركات يد المعالج في اتجاهات مختلفة.