مقابلة مع حارس الأرض المقدسة حول الوضع في سوريا
أيها الأب الحارس، بعد الزلزال الذي ضرب سوريا، تكاثفت الجماعات الفرنسيسكانية الموجودة في المنطقة على الفور لتقديم المساعدة والدعم للسكان المحليين. هل يمكنك أن تعطينا صورة عن الوضع القائم، على ضوء آخر ما تلقيت من أخبار؟
إني على اتصال كل يوم بجميع الرهبان الذين يعيشون في سوريا اليوم. الوضع في دمشق هادئ بشكل أساسي، لأن المدينة لم تتضرر بشدة من الزلزال: ولكن في دمشق يعمل إخوتنا على إحضار المشردين من المناطق الأكثر تضررًا، الذين لجأوا إلى كازانوفا (فندق الحجاج) المرتبط بمزار اهتداء القديس بولس. الوضع في حلب هو بالتأكيد أكثر خطورة. لأن غضب الزلزال في حلب جاء ليضيف دماراً على الدمار الحال منذ أكثر من عشر سنوات بسبب الحرب، فكان بمثابة الضربة القاضية للعديد من المباني التي دمرتها بالفعل قذائف الهاون والقنابل وما إلى ذلك. تتم الآن مساعدة ما يقارب أربعة آلاف شخص كل يوم من قبل رهباننا، بالتنسيق مع حارس الدير هناك الأب بهجت. يتم توزيعهم بين كلية ترسنطا، وهي في الوقت الحالي المكان الذي يقيم فيه معظم المشردين، ومنشأة الرام. كما وكانت هناك حاجة ماسة لإيواء الناس في اللاذقية؛ وهناك، تم نقلهم إلى قاعات الرعية. في جميع هذه المدن، لا يقتصر الأمر على توفير سقف لهؤلاء الأشخاص فحسب، بل يشمل أيضًا الطعام: خاصة في حلب، حيث يتم تقديم 4000 وجبة يوميًا.
من بين كافة الجماعات في سوريا، هل يمكن أن تخبرنا أيها الأكثر تضرراً؟
الوضع الأكثر دراماتيكية نجده في قرى وادي العاصي في منطقة إدلب، لأن هذه المنطقة هي أصعب منطقة يمكن الوصول إليها، وحيث كان الزلزال هو الأكثر تدميراً. الظروف هنا حرجة بالفعل بسبب عزل المنطقة وأيضًا لأنها تحت سيطرة الجهاديين، وقد ساءت بشكل كبير مع الأضرار التي سببها الزلزال. حاليا يقوم أحد إخواننا هناك، الأب لؤي، بمتابعة الوضع في اليعقوبية والقرى المجاورة. كنيسة اليعقوبية نفسها تقع خارج الحدود وقد تضررت مرافقنا هناك، وأصبحت غير آمنة. معظم الناس هناك قد فقدوا منازلهم.
تقوم حراسة الأرض المقدسة بجمع الأموال لسوريا من خلال قناتين، هما: جمعية Pro Terra Sancta ومكتب الوكالة العامة التابع للحراسة. هل بإمكانك أن تخبرنا كيف يمكن لهذه المساعدة أن تكون عوناً للرهبان والسكان السوريين؟
يمكن للمساعدات الاقتصادية والمالية تقديم عون للرهبان في سوريا، حتى يتمكنوا من شراء السلع الأولية والتي تعتبر أساسية في هذا الوضع. في حلب، تساعد الحكومة جماعتنا الرهبانية من خلال توفير زيت الديزل والغاز والطعام لأن توزيع أربعة آلاف وجبة يوميًا يعد مهمة صعبة للغاية. إن سمحت لي أود هنا أن أقول أمراً قد يحمل على الضحك: لقد كثّر يسوع الخبز والسمك لـ 5000 شخص، لكنه فعل ذلك مرتين فقط في الانجيل: هنا علينا أن نعتني بهذا العدد من الأشخاص كل يوم. من خلال جمع التبرعات، يمكن للجميع أن يلعبوا دورهم: يمكن للأفراد مساعدتنا في توفير السلع الأساسية. بالطبع، نحن لسنا الأمم المتحدة. ما نفعله هو قطرة في المحيط، ولكن ذلك يوفر على الأقل لبضع مئات من الأشخاص سقفاً يأويهم في الوقت الحالي، وبطانية، ووجبة ساخنة. هناك أعمال تضامنية مؤثرة للغاية: في الأيام القليلة الماضية، اتصلت بي فرقة مسرحية من بلدة صغيرة في ترينتينو (إيطاليا) حيث أراد الشباب التبرع بكل ربحهم من مسرحية أقاموها، لضحايا الزلزال. هذه علامة على أن الناس حساسون وأن بإمكان الجميع المساعدة.
علمنا بأن بعض الرهبان على وشك المغادرة لدعم العمل الشاق الذي يقوم به الفرنسيسكان في حلب.
هناك بعض من الرهبان الشباب الذين سيغادرون، والذين سيتناوبون في تقديم خدماتهم في تلك الأماكن. وسأحاول بأسرع وقت ممكن، أن أذهب بنفسي لزيارة الرهبان وتشجيعهم والسكانَ المحليين. من الضروري وإنه لأمر أساسي، أن يكون للشخصيات المؤسساتية حضور أيضًا.
فيما يتعلق بالموضوع الحساس للغاية، ألا وهو العقوبات المفروضة على حكومة دمشق، اقترحت أنت بنفسك مؤخرًا اختيار حل ذكي لتخفيف العقوبات. هل تعتقد أننا نسير في هذا الاتجاه؟
لقد قررت الولايات المتحدة بالفعل تعليق العقوبات لمدة 180 يومًا وهذا أمر إيجابي للغاية. دعونا نأمل أن تولي أوروبا الاهتمام وتفعل الشيء نفسه، وقبل كل شيء أن يتم تعليق تلك العقوبات التي تمنع المساعدات الإنسانية، والتي تبدو بالنسبة لي عقوبات لا أخلاقية ولا إنسانية، لأنها تؤثر على الناس العاديين والمدنيين وأضعف قطاعات السكان. كان الوضع في سوريا حرجًا بالفعل قبل الزلزال: يعيش الناس هنا بخمسين دولارًا شهريًا، مع تقنين الوقود والكهرباء … كم منا يمكن أن يتحمل مثل هذه الحالة؟ كم منا سيكون قادرًا اليوم على العيش بساعة أو ساعتين من الكهرباء يوميًا؟ أم بالخبز المقنن؟ علينا أن ننظر للأمور من وجهة نظر تأخذ بعين الاعتبار كرامة الإنسان وكرامة البشر.
هل يمكنك أن تشاركنا ببعض الجوانب المعينة من هذا الحدث الاستثنائي والدراماتيكي، التي صدمتك أكثر من غيرها خلال الأيام القليلة الماضية؟
أكثر ما أدهشني هي روح التخلي والزهد التي أظهرها إخوتنا الرهبان على الفور. منذ الساعات الأولى، وبعد تغلبهم على الخوف الذي شعروا به هم أيضًا، لم يدخروا ثانية واحدة، بل عملوا بلا توقف لاستقبال المشردين، ومواساة أولئك الذين فقدوا شخصًا ما، وللذهاب لزيارة القرى النائية: مثل من يعيشون في وادي العاصي، على سبيل المثال. لقد شاركوا وما زالوا يشاركون معاناة الشعب وتضحياته. وقد فتحوا، في الوقت نفسه، أبواب الأديرة على مصراعيها. وعندما سألوني، “ماذا يجب أن نفعل؟” قلت لهم: “أعطوا كل ما تستطيعون”، لأن هذا جزء من خيار حياتنا. وفي مواجتهم للخطر، لم يفضل أحد منهم رفاهيته وسلامته الشخصية على فعل الخير ومساعدة الآخرين.