ليست الأديان غاية في حدّ ذاتها وإنما وسيلة لترتقي بالإنسان إلى عالم السماء حيث لا وجع وحزن ولا تنهد ولا بكاء.
بنظرة سريعة إلى عالمنا نرى أنَّ الحياة أصبحت مليئة بالكثير من الأشواك والآلام والصرخات والأنين، فلا تكاد تتابع الأخبار اليومية حتى تمتلئ النفس غمّا لحجم المآسي والويلات والدمار والحروب والنزاعات التي يتسبب بها أبناء البشر، وربَّ سائل، فماذا عن الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكن والفياضانات والأعاصير التي تضرب عالمنا وتتسب في مآس وجراحات كثيرة، وهنا نقف حيارى أمام قوى الطبيعة المجحفة أحياناً ولكننا لا نقنط من رحمة الله تعالى، فقد لا نجد أجوبة لتساؤلات كثيرة ولكننا على ثقة ويقين أنّ ربّ الكون وخالقه معنا وفي وسط سفينة حياتنا، وقادر أن يعيننا أن نتغلّب على مصابنا بقوة عمل روحه القدّوس في قلوبنا.
ولكن المحزن أن يتسبب الإنسان في أذية أخيه الإنسان، فالحروب والإحتلالات والغطرسة والتجبّر لست سوى نتاج طمع الإنسان في المزيد من السيطرة والغطرس والتجبّر والإستعلاء، فيفقدُ الإنسان عندها كل القيم الإنسانية النبيلة وتصبح السياسة أداةً رخيصة لتحقيق الغاية التي تبرر الوسيلة. ولذلك يحتاج اليوم عالم السياسة وعالم الإقتصاد إلى أنسنة حقيقية وجوهرية، فلا حدود لآفاق طموح الإنسان وآماله ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب الضعفاء والمساكين والفقراء والمعوزين.
فعالمنا إنما يحتاج اليوم حقيقة إلى العودة إلى دروب الحياة التي تعلّي من القيم الإنسانية والقيمة السماوية، “فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”. ولتحقيق هذه العودة لا بد من التوبة والرجوع إلى دروب الحياة الصحيحة، فهذا هو جوهر مفهوم الصوم الذي يدعونا إليه الله، فهو ليس صوماً موجهاً إلى البشر بل صوماً يراه الله في قلوبنا من خلال ما تفيض به حياتنا من أعمال محبة وخير وإنسانية تخفِّف ولو بالقليل مما يعاني منه الأقل حظاً الذين ينتظرون أن يأكلوا الفتات الساقطة من مائدة أربابها.
فالصوم ليس عبوس وتجهم، الصوم ليس تظاهر واستعراض، إنما الصوم هو ممارسة الحياة الطبيعية بدهن الرأس وغسل الوجه بمعنى آخر الحيوية والنشاط للمزيد من العطاء والعمل والإنجاز.
وأهم ما في الصوم هو العمل على حلّ قيود الشّر، .. هو العمل على فك عقد النير، .. هو الوقوف إلى جانب المسحوقين ومساعدتهم لتحقيق حريتهم، .. هو قطع كل نير أي كلَّ عبء يرزح تحته الآخرون ويحتاجون إلى من يرفعه عنهم، .. هو كسر رغيفنا للجائع، هو هداية التائهين بإحتضانهم وتوجيههم، هو كسوة اللاجئين والمشردين والعريانين.
بإختصار أدياننا السمحة تدعونا إلى تحقيق العدالة الإجتماعية وإلى تخفيف آلام وجراحات الناس والباقي تفاصيل ..