باسم الآب والابن والروح القدس
الإله الواحد آمين
“أعطــــوا ما عندكم صدقــة فهـــوذا كل شئ يكون نقياً لكم”(1)
حينما نقرأ هذه الآية نسأل : هـل إذا أعطى الإنسان ما عنده صدقة يكون كل شئ نقياً له ؟
الآن نتأمل ما يقوله القديس أغسطينوس بخصوص ما جاء فى إنجيل لوقا البشير “وفيما هو يتكلم سأله فريسى أن يتغدى عنده فدخل واتكأ. وأما الفريسى فلما رأى ذلك تعجب أنه لم يغتسل أولاً قبل الغداء. فقال له الرب أنتم الآن أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس والقصعة وأما باطنكم فمملوء اختطافاً وخبثاً. يا أغبياء أليس الذى صـنع الخارج صنع الداخـل أيضـاً. بل أعـطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً لكم”(1).
الرب بهذا القول يريد أن يوحى إلى تلاميذه أن مجرد الاغتسال (بالماء العادى) لا ينقى القلب.
لقد فكّر الفريسى – الذى دعا السيد المسيح- أن يتغذى عنده فى نفسه أن الرب لم يغتسل أولاً قبل الأكل.
قال له الرب “أنتم أيها الفريسيون تنقون خارج الكأس والقصعة، وأما باطنكم فمملوء اختطافاً وخبثاً ..
قد يسأل إنسان كيف يؤنب الرب الفريسى الذى دعاه إلى بيته ؟
والإجابة : الرب يؤنب الفريسى (لمصالحه هو) يؤنبه الآن ليصلح شأنه حتى لا يهلك فى يوم الدينونة (هلاكاً أبدياً).
(1)-(لو11: 41). (2)-(لو11: 37- 41).
المسيح يمتدح الأرملة التى ألقت بكل أعوازها فى صندوق النذور
ما الذى يريد الرب أن يعلمنا ؟
يريد الرب أن نفهم أن المعمودية التى مُنِحَت لنا مرة واحدة تنقينا بالإيمان.
والإيمان فى داخل الإنسان لا فى خارجه، ولذلك يقول فى سفر الأعمال “طهر بالإيمان قلوبهم”(1).
ويقول بطرس الرسول فى رسالته الأولى “فى أيام نوح إذ كان الفلك يُبنى الذى فيه خلص قليلون أى ثمانى أنفس بالماء. الذى مثاله يخلصنا نحن الآن أى المعمودية لإزالة وسخ الجسـد بل سـؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح”(2).
سؤال ضمير صالح
هذا السؤال هو ما إزدرى به الفريسى لذلك نقى الخارج، أما باطنه فظل مملوءاً اختطافاً وخبثاً !!
(1)-(أع15: 9). (2)-(1بط3: 20، 21).
“بل أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً لكم”.
وَجّه الرب هذا القول إلى الفريسيين .. والفريسيون كانوا من أخيار اليهود، ومن العلماء والمعتبرين عندهم .. ولكنهم لم يعتمدوا بمعمودية السيد المسيح له المجد، ولم يؤمنوا أن الذى كان يكلمهم هو ابن الله الوحيد ..
فكيف يستطيعون أن ينقوا أنفسهم وهم لا يؤمنون به ؟
وهو وحده الذى ينقى القلب بالإيمان ؟
وما معنى قوله لهم أعطوا صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً لكم ؟ إذا كانوا لا يؤمنون به ؟
بلا ريب لقد فكر هؤلاء الفريسيون فى داخل قلوبهم بسخرية أنهم يعطون صدقة، وأنهم يعشرون كل ما يملكون، لا القمح فقط بل أيضاً الخمر والزيت حتى أبخس الأشياء وأقلها شأناً مثل النعنع والشبث والكمون(1)إطاعة لوصايا الله.
ولكن الرب الذى يعلم ما فى أفكار الناس وما فى قلوبهم قال لهم “ولكن ويل لكم أيها الفريسيون لأنكم تعشرون النعنع والسّذاب وكل بقل وتتجاوزون عن الحق ومحبة الله”(2).
هل عرفتم أيها الفريسيون إنى عارف كل هذا، أعرف صدقاتكم وأعرف أن عشوركم هى صدقاتكم، وحتى أصغر وأبخس ثمار أرضكم تعشرونها. ولكنكم تتجاوزون عن وصايا الله وهى “الحق ومحبة الله”.
أنتم تتغافلون عن الحق ومحبة الله وتعشرون عشب الأرض !
هذا لا يعتبر صدقة لأنه “كان ينبغى أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك”.
الحق ومحبة الله
ماذا كان علينا أن نفعل ؟
عليكم أن تعملوا الحق ومحبة الله، تعملوا العدل والرحمة، ولا تتركوا تلك.
وما هى الصدقة التى نعطيها إذن ؟ أعطوا طعاماً لأرواحكم ..
(1)-(مت23:23). (2)-(لو11: 42).
الرحـمـة
قدموا الرحمة
وابدأوا أولاً بأنفسكم أنتم … ارجعوا إلى ضمائركم .. حينئذ ستكتشفون أن أرواحكم معدمة ومحتاجة وفقيرة ومحزونة وجائعة إلى البر.
ارحموا أنفسكم واعطوا الصدقة أولاً لأرواحكم الجائعة لكى تشبع أرواحكم، تشبع بالحق ومحبة الله (وهذا هو شبع الروح).
الـحـق
أما بالنسبة للحق فافحصوا قلوبكم واصدروا حكماً ضد قلوبكم.
وأما بالنسبة لمحبة الله فيجب أن تحبوا الرب “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك هذه هى الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك”(1).
وبذلك تكونون أعطيتم صدقة أولاً لأرواحكم داخل ضمائركم.
وإن أهملتم هذه الصدقة .. مهما قدمتم، فلن ينفعكم شيئاً، ما لم تعطوا صدقة لأرواحكم أولاً (بل بقيتم) فقراء ومعدمين فى ضمائركم، وفى أرواحكم.
أعطوا طعاماً لأرواحكم لئلا تموت أرواحكم جوعاً !
الطعام الروحى
وما هو هذا الطعام ؟!
إنه الخبز الروحى “أنا هو الخبز الذى نزل من السماء”(2).
إذن آمنوا بالرب يسوع المسيح له المجد، فتنقون باطنكم، ويكون الخارج أيضاً لكم نقياً.
والمجد لله دائماً
(1)-(مت22: 37- 39). (2)-(يو6: 41).