من أهم ما يرتبط بفصل الصوم الأربعيني الكبير الذي يسبق عيد الفصح المجيد كما عينته الكنيسة هو ضرورة التوبة. فلربما جوهر الصوم بأشكاله وطرقه المتعددة- مع أن معنى الصوم الحقيقي هو الإنقطاع- هو الوصول إلى ضرورة التوبة، والتوبة كانت الصرخة المدوية في برية يوحنا المعمدان والتي صدح بها داعياً الناس والجموع إلى التوبة أو يصنعوا سبل الرب مستقيمة ” توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات، … اصنعوا سبله مستقيمة”.
وهذه دعوة تنسجم من دعوات الأنبياء والرسل الذين نادوا بضرورة عودة الناس عن شرور أعمالهم وعن ضرورة توبتهم إلى الله بقول يوئيل النبي ” مزّقوا قلوبكم لا ثيابكم” ( يؤ 2:13)، فالصوم يُعنَى بتوبة القلب وندامته لأنه عندها فقط يحصل الغفران الإلهي ويستحق الإنسان أن يتناول العشاء الرباني المقدس بإستحقاق، “لأن كل من أكل وشرب جسد الرب ودمه دون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه”. فالتوبة أساس قبول الله لنا وأساس غفرانه، لذلك فالسلطان الذي فوّضه المسيح لكنيسته إذ أعطاها سلطة مفاتيح الملكوت لتفتح أبواب ملكوت السموات لمن يتوب ويرجع إلى الله وتغلقها بوجه عدم التائبين، ” من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت”.
لذلك، لا يجب أن تمر هذه الفترة المقدسة دون مراجعة حقيقية للنفس لأننا نحن من نَحكم على أنفسنا قبل أن يحكم الله علينا، وأهم ما نقوم به هو أن نفعل ما فعله زكى العشار عندما دعاه المسيح وطلب منه أن ينزل من على أعلى الشجرة كونه كان قصير القامة ودخل إلى بيته ومنحنه نعمة الخلاص، عندها قام وردَّ عشرة أضعاف إلى كل من كان قد أحتال عليه من غير وجه حق وسلب أمواله وأضر بمصالحه.
فأهم ما يدعونا إليه فصل الصوم الأربعيني هو أن نقف وقفة حق مع أنفسنا، وأنْ نواجهَ أنفسنا في المرآة، وأن نتكلم مع قلوبنا ونستشعر صحوة ضمائرنا، فإذا ما شعرنا أننا قصرنا بحق فلان أو أسأنا له أو أخطأنا بحقه، فواجب علينا أن نترك كل شيء ونصطلح معه ونطلب الصفح والغفران، فإن ذلك هو من أمر السماء، فلا يَخيب ظن من يلجأ إلى الله مهما كانت ذونبه ومعاصيه ومهما أخطأ بحق أخيه الإنسان، بل على العكس فإن أبواب السماء تتفتح لنا وتمطر علينا رحمة ونعمة تقدر أن تعيننا في ضيقنا. ” فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه ( عب 16:4). ونتذكر ما جاء بحسب الطقس السرياني في إثنين المسامحة ومدخل الصوم الكبير كلمة “شبقوني” أي سامحني.
فتفكَّر أيها الإنسان أنك رماد وإلى الرماد تعود، وأنك وإن أزهرت كعشب الحقل اليوم فالعشب ييبس وزهره يبذل، ولكن ما يبقى ويدوم هو صفاء النفس وراحة الضمير وقبول الله الحقيقي لنا.