ليس عبثاً أن يصرخ المرنم في المزمور الثالث والأربعين إلى الله من قلبه قائلا: “أرسل نورك وحقك هما يهديانني ويأتيان بي إلى جبل قدسك”.
لقد إختبر هذه المرنم صعوبة الحياة وشظفها ومضايقة الآخرين له ومعاداتهم له فإغتمت نفسه وإنحنت، ورغم قوته وقدرته البشرية إلا أن قوى الشر من حوله كانت كبيرة جداً ما حذى به أن يتّجه في نهاية المطاف إلى السماء ويطلب عون الله طالباً منه أن يكون له العون والنصير لحياته التي تحولت إلى حزن وألم ومشّقة حتى خارت قواه البشرية، وها هو يطلب عون السماء ويطلب أمران في غاية الأهمية وهما: النور الحق.
فهذات الأمران تجود بهم نعمة السماء لمن يطلبهما، وبهما يهدي الله طريق الإنسان، فليس أعظم من النور السماوي الآتي من فوق والمالئ الكل، فهو أي النور الإلهي ينير درب حياتنا ويكشف لنا ما بدا معتماً، ويشكل لنا السراج لأرجلنا ولسبيل حياتنا. وكم يحتاج الإنسان اليوم إلى النور الإلهي لئلا يسير في الظلمة التي قَبْلَ نور الخليقة كانت تغطي وجه كلِّ الأرض، ولكن نور الله قد بدد الظلمة وأضاء الله للبشرية دروب الحياة نحو الحرية والتحرر من قيود الخوف والظلم والشر والكراهية.
وأما الحق الذي يطلبه المرنم فهو ما يحقق عدالة الله على الأرض، فمع أن ملكوت الله قد تأسس بخدمة المسيح العلنية بإعتماده في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان لكن المسيح نفسه أعلن “أن ملكوت الله يُغتصب والغاصبون يختطفونه” بمعنى آخر أن حياة الإنسان وإن احتوت على نعمة الله وسلامه العجيب لنقدر أن نأتي إلى مذح الله ونقدم له ذبائح الحمد والشكر لكننا نحمل في جسدنا أثقال الألم والمعاناة والضعف وغياب العدالة، ونحتاج على الدوام إلى القوة السماوية لتسندنا بقول المرنم في المزمور المائة والحادي والعشرين “أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني، معونتي من عند الرب صانع السموات والأرض”. فالجسد ضعيف ولكن الروح قوي، فلنسأل قوة الروح القدس في حياتنا ولا ننسى ما يذكره القديس بولس الرسول أنه ” لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منّا”.
“أرسل نورك وحقك هما يديانني ويأتيان بي إلى جبل قدسك”، آمين.