البطريرك الراعي: السياسة فن شريف لخدمة الخير العام

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس أحد الشعانين في كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة بعنوان “هوشعنا مبارك الآتي باسم الرب ملكنا” (يو 12: 13).

استهل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا ” نذكر في هذا الأحد، الذي نختم به الأسبوع السادس من زمن الصوم الكبير، دخول يسوع إلى أورشليم لآخر مرة، قبل البدء بأسبوع آلامه وموته على الصليب ليفتدي خطايا البشرية جمعاء، وقيامته من بين الأموات ليقدّس البشر أجمعين بنعمة الحياة الجديدة بالروح القدس.

اليوم أحد الشعانين، أحد “الهوشعنا”. وهو الهتاف الذي أطلقه عفويًا تلاميذ يسوع والأطفال والجمع الغفير الآتي إلى عيد الفصح اليهودي: هتاف فرح وابتهاج. هتاف عفوي ونبوي أعلنوا فيه ملوكية يسوع: “هوشعنا! مبارك الآتي باسم الرب، ملكنا!” ولهذا السبب الشعانين هو عيد الأطفال، عيد بهجتهم بثيابهم الجديدة، وبشموعهم المزينة بأغصان الزيتون. لكننا نذكر بمحبتنا وصلاتنا وتضامننا الأطفال الكثيرين المحرومين من بهجة العيد، بكل اسف. الرب يسوع هو هديتهم وهو يعرف كيف يملأ فراغ حياتهم”.

وأضاف غبطته يقول “دخل يسوع ملكًا إلى أورشليم، ولكنه ملك سلام وتواضع ومحبة وتحرير. كانت العلامة أنه ركب جحشًا لا حصانًا وعربات ملوك الأرض، وتمّت نبوءة النبي: “لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتيكِ راكبًا جحشًا ابن أتان” (زكريّا 9: 9).

والشعب حمل أغصان النخل المخصص لاستقبال الملوك، وأغصان الزيتون كعلامة للسلام والعطاء. وخرج لاستقباله بالهتافات: هوشعنا! خلّصنا يا رب! إنه الملك الفادي والمخلّص: فادي الإنسان، ومخلّص العالم. ملوكيته هي على عقل الإنسان وقلبه، لأنها تعلّم الحقيقة وتزرع الحب، وتحرر الإرادات، وتبني السلام”.

وأشار البطريرك الراعي إلى أنه “بمسحة الميرون أشركنا الرب بملوكيته. وجعلنا شهود الحقيقة والمحبة والحرية والسلام، وروّادها، وناشريها والمناضلين في سبيلها. لا يستطيع المسيحي، وبخاصة إذا كان ذا مسؤولية مدنية عامة، أن يكون مسيحيا حقا إذا لم يلتزم بهذه الركائز الأربعة للملوكية. إذا كنت شريكًا للمسيح الملك في ملوكيته، بات من واجبك هذا الالتزام. ما أجمل رجال السياسة الملتزمين قبل كل شيء بقول الحقيقة، وعيش المحبة، والتحرر من العبوديات، وبناء السلام! ما أجملهم إذا أدركوا بمشاركتهم في ملوكية المسيح، أن السلطة الموكولة إليهم هي خدمة لا تسلّط، وأنهم بالسلطة ليسوا أسيادًا بل خدام الناس للخير العام. فالسياسي الحقيقي خادم. وعندما لا يكون خادمًا فهو سياسي سيء، بل ليس سياسيًا، لأن السياسة فن شريف لخدمة الخير العام.

بهذه الصفة هو مدعو ليدمّر في ذاته خطيئة الفساد والمصلحة الخاصة والأنانية والمكاسب غير المشروعة والتعدي على المال العام، ثم يلتزم خدمة المحبة والعدالة وخير الإنسان. وليعلم السياسيون وعلى رأسهم نواب الأمّة أن ضامن السياسة الصالحة هو انتخاب رئيس للجمهورية يحمل هذه “المواصفات” لتنتظم معه المؤسسات الدستورية”.

“بهذه الروح” – قال غبطته -“نستعد مع النواب المسيحيين للخلوة الروحية صباح الأربعاء المقبل 5 نيسان الجاري في مركز بيت عنيا في ظل سيدة لبنان – حريصا.

نستمع خلالها إلى كلام الله في تأملين، ونكرّس الباقي للصلاة والصوم والتأمل والتوبة، وننهي بالقداس الإلهي مع المناولة الفصحية. فنصلّي معًا من أجل لبنان وخلاصه من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية”.

وفي ختام عظته مترئسا قداس أحد الشعانين، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “إنّا بالاتكال على صلاتكم، أيها الإخوة والأخوات الأحباء، نسأل الله أن يتقبّل هذه الخلوة ويباركها بنعمة بركاته. له المجد والشكر الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”