هناك مفاتيح هامة تتحكم في حياتنا البشرية، ومن غير تلك المفاتيح تكون حياتنا عبثاً من غير هدف ولا مضمون، وحتى ولو قمنا بجليل الأعمال وأفخرها فهي غير نابعة عن صدقٍ وعن أمانة بل عملنا يكون عملاً جميلاً، لكن دوافعه مختلفة وممزوجة بطابع الأنانية أو حب الذات أو الظهور أو الشهرة.
وأهم مفتاح في حياتنا البشرية ويكون سبباً في بذل ذواتنا وتضحياتنا هو مفتاح المحبة. هذا المفتاح الذي يفتقده الكثيرون اليوم الذين يؤمنون بالله فيعتقدون أنَّ حياتهم هي تحصيل حاصل وأنَّ مجرد أعمالهم هي إنعكاس ومرآة لقلوبهم، بينما في الحقيقة هي ليست كذلك، فقلوبهم سوداء ولا تنعكس ببعض أعمالهم الظاهرة للعيان. فأهم ما يهبنا إياه الله هو نعمة المحبة التي لا تعرف حدودا، وهي المحبة التي تشكّل الدافع لتكريس النفس والعطاء، وتكون الدافع في بذل الذات وتكون الدافع وراء التضحية حتى بأغلى الأشياء وأثمنها، فلا حدود للمحبة.
ولو عرف الإنسان عمق هذه المحبة النابعة من قلب الله لتمكن أن يحيا حياة الروح التي يرتضيها الله بكلِّ أمانةٍ ومسؤولية، فالحياة أمانة ومسؤولية، إنطلاقاً من المسؤولية الشخصية التي تتمثل في تهذيب الذات وتثقيفها وتوسيع مداركها وأفق تفكيرها وعدم حصرها في مفاهيم خيالية أو تصوّرات ضيقة تضع حدودا بينة وبين أخيه الإنسان المختلف عنه شكلاً ولوناً ولغة وثقافة وحضارة وعقيدة، وثانياً المسؤولية العائلية في تنشئة جيل يحبّ الحياة وقيم الجمال والفن والموسيقى والشعر والأدب والفكر الباحث عن أسرار الكون والخليقة والساعي على الدوام إلى شتى أنواع العلوم المتقدمة لتسخيرها في خدمة الإنسانية والبشرية، وثالثا المسؤولية الوطنية، فكيف إذا تُبنى الأوطان إن لم يكن لدى الإنسان عقيدة إيمانية نابعة من قلب محب منتَمٍ صادق مخلص، يرى القيمة الحقيقية عنواناً متجسداً في وطن الكرامةِ والعزِّ والمجد، ورابعاً، المسؤولية العالمية، فكيف إذا يحظى عالمنا بمجتمع إنساني تسوده قيم الإنسانية والعدالة والمساواة إذا لم يكن ينبع ذلك من محبة للكون الذي يسوده اليوم وبسبب جشع الإنسان والرأسمالية المتوحّشة وشهوة إمتلاك القوة المفرطة تحدياتُ التلوّث وإختلال المناخ والجفاف التصحر والإنحباس الحراري وإنعدام الأمن الغذائي.
لذلك نحتاج إلى أهم مفتاح في الكون وهو مفتاح المحبة، فإن لم تسمو بنا أدياننا وتقودنا طقوسها وشعائرها وممارساتها إلى جوهر محبة الله الخالق فلا نستحق الحياة التي أوجدنا الله بها، ولا نقدر أن نكون على قَدَرِ المسؤولية التي أوكلَها الله لنا، فنكون كشجرة يابسة لا خير فيها ولا فائدة.