“اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ … أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ.”
(يو 16: 20).
جمعة حزينة حقاً للإنسان عديم الإيمان، للإنسان الذي يرى في الموت إنتصاراً وغلبة، وللإنسان الذي يرى الكون يدور حول ذاته، ولكنها حقاً هي جمعة عظيمة لذوي الإيمان الذين يرونَ عظمتها في حقيقة نور القيامة المجيدة التي بدّلت الحزن إلى فرح، والخوف إلى قوة، والجبن إلى شجاعة واقتدار، والإختباء خلف الجدران إلى إنطلاقة جريئة للعالم أجمع للشهادة بنور القيامة المجيدة التي منحت الرجاء الحي بالحياة الأبدية وبالحياة الجديدة مع المسيح كقديسين في هذه الحياة الأرضية إلى أن نلبس أجساداً سماوية ممجدة على غرار جسد المسيح الممجد القائم من بين الأموات.
فحياتنا اليوم التي علينا أن نحياها، هي حياة القيامة المجيدة، الحياة التي تمجّد اسم الله القدس وَتُسّر قلبه، الحياة التي تسير بموجبه شرائعة السماوية ووصاياه التي أوحى بها لنا لتكون نوراً لحياتنا وسراجاً لأرجلنا وسرَ سعادتنا الحقيقية ورجاءنا الثابت والأكيد بأنَّ ظلمة الجمعة العظيمة وآلام الموت والجراحات الكثيرة يوجد هناك من يشفيها ويقهرها ويبدد ظلمتها، لأنَّ الله َنورُ السموات والأرض، ونوره قد أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ( ٢كو ٦:٤)، فهو الماسح كل الدموع والمبدد كل الأحزان، والشافي كل الجراح، والمعزي كل الحزانى، والساند كلَّ الضعفاء، فهو يعطي المُعيِّ قدرة ولعديم القوة يكثِّرُ شِدَّة” ( إش29:40).
فالجمعة العظيمة تحمل بشائر التعزية والأمل والرجاء لكل المحزونين، ولكل من يرزحون تحت أعباء وصلبان الحياة المختلفة، ولكل من يعاني من أمراض وأوجاع موقتة أو مزمنة. فمن تألمَ يقدر أن يعين المتألمين، ومن جُرّب يقدر أن يعين المجربين، ويقدر أن يشفع لنا أمام عرش النعمة الإلهية، “وسيمسح الله كل دمعة من عيوننا والموت لا يكون بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع” ( رؤ 4:21).
فلا تجعلوا أحزانكم أن تحجب رؤية قوة وبهجة وأمجاد القيامة المجيدة، فلو كنَّا لا نفهم كلَّ شيء، ولو كنا لا نقدر أن نفسِّر كل ما يحدث في حياتنا، ولو بقي أسئلة كثيرة في قلوبنا من غير إجابة، يبقى قول بولس الرسول محفوراً في قلوبنا ” فإننا ننظر الآن في مرآة في لغزٍ لكن حينئذ سأعرفُ كما عرفتُ. أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهّن المحبة” ( 1كو 13: 12-13)