في التقاليد الكنسية هناك أحد كنسي يُسمّى بأحد الراعي الصالح، ويصادف هذا الأحد عادة في الأحد الثاني بعد عيد القيامة المجيدة، ويسمى بأحد الراعي الصالح، لمَا لهذا المفهوم من أهمية في حياة الإنسان المؤمن بخصوص رعاية الله لنا في حياتنا وحمايتنا والسهر على راحتنا ونجاتنا في كل كرب وضيق، وحتى في أخطر الظروف التي قد نتعرض لها حتى ولو كان كما بوصف داود النبي “وادي ظل الموت”.
فماذا أروع من هكذا مفهوم في حياة الإنسان المؤمن الذي يُؤمن وَيُؤّمن على حياته طالما هي محروسة بين يدي العلي القدير. هذه هي حقيقة إيماننا وهذا هو يقينُنا بأنَّ القائم من بين الأموات ربنا يسوع المسيح هو راعي الخراف العظيم الذي لا ينبع منه إلا كلَّ خير، ولا يصدر عنه إلى كل ما يدعو للراحة والسلام والطمأنية، ولا يتوقّع ويرتجى منه إلا كل ما يدعو للنجاة والسلام في ظروف الحياة الصعبة والقاسية والمميتة وشبه ظلال الموت.
لذلك لا خوف على حياتنا طالما هي محروسة في ظل حماية الله ورعايته، حتى ولو تعرضنا لشتى أنواع المخاطر والتحديات والظروف القاسية، فالله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، هو البداية والنهاية، هو الألف والياء، هو “الراعي الصالح”، وصلاح الله لا يَفسد كما يَفسد الملح ويفسد بعض قادة بني البشر.
والراعي الصالح لا يفعل إلا ما هو في خير رعيته وسبل راحتها وحسن مرابضها.
ولا يمكن لله أن يتركنا لوحدنا حتى ولو تَرَكنا الجميع كما ترك التلاميذُ المسيح وهربوا مساء الخميس العظيم في بستان جثسيماني في القدس.
لنكن على ثقة أننا لن نبقى لوحدنا “لأن الله معنا”، معنا في وادي ظل الموت، معنا في جوف الحوت، معنا الضيق والألم والمرض، معنا وسطا المعاناة والصعوبات. نعم، الله معنا كما جاء في الرسالة إلى العبرانيين “لأنه قال: لا أُهملك ولا أتركك، حتى إننا نقول واثقين: الرب مُعينٌ لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي إنسانٌ» (عب 13: 5و6)، وكذلك كما أورد داود النبي قائلا في المزمور الثالث والعشرين ” لا أخاف شرّا لأنك أنت معي”، فحتى لو سرنا في واد ظلِّ الموت، ففي الموت وأشباه ظلاله التي قد تخيّم علينا لن يتركنا الله لوحدنا، بل يقف إلى جانبنا، ويسمع صراخنا ويصغي إلى صوت تضرعاتنا. ألم يقل دواد النبي في المزمور السابع والعشرين ” إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمّني” (مز 10:27).
لذلك، فعندما نرى عصا الراعي وعكازه تتطمئن قلوبنا، لأنها من علامات الرعاية الصادقة والأمينة وهي من تراثنا المشرقي العربي، فإن كانت العُكّازة هي التي يُسند بها الراعي ممشاه ويثبّت خطواته بها وسط الصخور الوعرة، فبواسطة عصازه فهو يوجه القطيع ويتحدى الضباع والذئاب التي تُريد نهشَ خرافه من بين يديه، ولن يسمح أبداً أنْ يَمسّها سوء حتى ولو كلفه ذلك بذل ذاته لأجل نجاتها من بين الإنياب المفترسة.
وعلى الدوام فإن الراعي الصالح يرتب قدام رعيته مائدة تجاه مضايقيها، فما معنى ” ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقيَّ؟” لربما بتراثنا المشرقي العربي نستطيع أن نفهم ذلك بشكل أوضح بمفهوم ” الدخالة”، فعندما يلتجأ ويطلب أحدهم أن يدخل في حماية عشيرة ما أو بيت ما، فهو يكون حقاً في مأمن، ولا يُقدَّم له إلا مائدة الوفاء والعون والحماية أمام كل مضايقيه. هكذا هو إلهنا فهو يرتّب لنا على الدوام في حياتنا مائدة مقدسة تغذّي حياتنا الروحية وتسند أجسادنا الضعيفة في وجه كل ما يحاول أن يضايقنا أو يؤذينا.
فطوبى لرعية الربُّ راعيها!