(يوحنا20 : 19-31).
في نص إنجيل اليوم، نجد التلاميذ منغلقين على أنفسهم في العلية.
ويشير الإنجيلي يوحنا مرتين على الأقل (يوحنا ٢٠: ١٩ و٢٦) إلى أن أبواب الدار التي اجتمع فيها التلاميذ كانت مغلقة. وفي الآية ١٩ يبيّن الإنجيلي أن الخوف هو سبب هذا الانغلاق.
نرى التلاميذ خائفين، كما ونعرف أن الخوف يسبب الانغلاق والانكماش.
إلا أن الخوف ليس السبب الوحيد. ثمة سبب آخر. اختبأ التلاميذ في العلية لأنهم لم يتوقعوا قدوم أي أحد. بعد موت يسوع، انتهى كل شيء بالنسبة إليهم ولم يعودا يترقّبون أي جديد. بطريقة ما، كان التلاميذ محبوسين وكأنهم في قبر، كما كان يسوع قبل عدة أيام.
ومع ذلك، يأتي يسوع ويقتحم المكان. في أحد الشعانين، قُلنا إن أسلوب الله هو الزيارة ودخول الحياة ليأتي بحياة جديدة. وهنا يواصل القائم من بين الأموات زيارته، تمامًا كما فعل قبل آلامه وموته. وتأتي زيارته حتى حينما لا يعود الإنسان يترقّب أي شيء، ولا يعتقد بإمكانية حدوث أمر جديد. وقتئذٍ يأتي الرب.
يزور يسوع تلاميذه الذين أغلقوا على أنفسهم في قبر خوفهم ويعيد تأسيس علاقة ويعيد فتحها بعد انقطاعها. يقوم يسوع بذلك تحديدًا مع التلميذ توما. في وسعنا القول إن محبة الرب لتلاميذه تتخذ أساليب واهتمامات مختلفة، وذلك حسب حاجات كل واحد منهم.
ولم يكن توما متواجدًا أثناء أول ظهور ليسوع. وبما أنه لم يصدق صحة ظهوره لتلاميذه، فقد قرر يسوع التوجّه إليه.
دعونا نشير إلى ناحيتين من هذا اللقاء.
الناحية الأولى: يتم اللقاء من خلال الجسد أي اليدين والقدمين والأضلاع والتقرحات…
وهذا ما اعتاد يسوع فعله في حياته العلنية: اعتاد أن يتواصل مع الناس في الجسد وأن يعانقهم ويحتضنهم. وعليه، يعرض يسوع جسده لتوما غير المؤمن كي يلمسه ويراه ويحبّه. وكما شفى في جسده جروح الصلب، ها هو يشفي جرح توما، أي عدم إيمانه.
أما الناحة الثانية فتتعلق بطلب يسوع من توما الذهاب إلى ما وراء الملموس. بعدما أظهر يسوع جروحه وطلب من تلميذه لمسها لم يتم اطلاعنا على الحركة التي قام بها توما (يوحنا ٢٠: ٢٧). في الآيات السابقة، في لقائه مع مريم المجدلية، طلب يسوع منها عدم التمسك به ولمسه حسيا (يوحنا ٢٠: ١٧).
في كلا الحالتين، يتعلق الأمر بـ”لمسة” جديدة وخبرة لقاء يسوع بطريقة تختلف عن تلك التي اعتادوا القيام بها قبل الفصح. يطلب يسوع الانطلاق من إيمان جديد لا يتوقف عند جسده المصلوب، بل يتعلّم لمس جسد الرب الكنسي والروحي.
نستطيع القول إن هذه الدعوة إلى علاقة إيمانية تهدف إلى إخراج التلاميذ من قبرهم وتقوقعهم وخوفهم ويأسهم.
وعليه، سيتمكنون بدورهم من زيارة الناس والوصول إليهم أينما كانوا ومهما كانت أوضاعهم والقيام بما فعله يسوع معهم، أي فتح أعينهم لخبرة جديدة والسماح بدخول قليل من النور. لقد ولدت الجماعة المسيحية الأولى من خبرة اللقاء مع القائم من بين الأموات، الذي أعطاهم الروح وأخرجهم من العليا. وبهذه الطريقة استطاعت تلك الكنيسة الصغيرة أن تحنو بدورها على جروح فقراء ومعذبي ذلك الزمن وجميع الأزمان، وأن تشفي العديد من الأجساد المصابة بالوحدة والعزلة والخوف.
لا يزال إنجيل هذه السنة يحتفظ بذات الأهمية كما في السابق.
يعود السبب ، من جهة، إلى الخبرة التي نعيشها في عدم قدرتنا على الملامسة ومصافحة الأيدي والعناق. ومن جهة أخرى، إننا مدعوون إلى “اللمس” بطريقة جديدة أكثر عمقًا، بدءًا من الخبرة المشتركة للرب الذي يزورنا في مواقف حياتنا ويلمس جروحنا ويجعلنا نُدرك أننا جزء من جسد واحد.