لم تأت هذه الجملة هكذا كما وردت على لسان السيد المسيح في الإنجيل المقدس، ولكنها وردت بشكل معاكس ” الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسلَ فعلة إلى كرمه”.
وفي ذلك إشارة إلى ضرورة أن يكون هناك خداما مؤهلين لاهوتيا وروحيا وفكريا وثقافيا ونفسيا وفسيولوجيا ليكونوا قادرين أن يكونوا حقا حصّادين مهرة يحصدون الثمر الكثير بمحبتهم وإخلاصهم ونموذج حياتهم المكرسة من أجل خدمة إنجيل المسيح وإعلاء كلمة الحق الإلهي والوقوف بوجه الظلم ومساعدة الضعيف ومناصرة قضايا العدالة والعدل والسلام لأنها من صلب إيماننا وعقيدتنا، لأنَّ الحياة لا تستقيم من غير عدالة إجتماعية وحرية ومساواة وفرص متكافئة وكرامة إنسانية.
ولكن ما هو حاصل اليوم في عالمنا هو كثرة الفعلة وقلة الحصاد! فالفعلة كثيرون ربما أكثر من أي وقت مضى، لكن ومع ذلك لم تعد الخدمة خدمة فاعلة، خدمة مؤثرة، وخدمة متقدة، لدرجة أنها خدمة غير قادرة أن تحصد الحصاد الكثير بالمحافظة على ما تبقى من مؤمنين أو أن تكون شاهدة حقا لقيامة المسيح ليحيا الناس حياة القيامة المجيدة أي الحياة الجديدة التي وهبها لنا الله بقيامة المسيح من بين الأموات.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو نفس السؤال الذي طرحه السيد المسيح على تلميذه بطرس على ضفاف بحيرة طبريا “أتحبني يابطرس أكثر من هؤلاء؟” يقول بعض علماء اللاهوت ومفسري الكتاب المقدس أن كلمة “هؤلاء” قد تعني تلك المعدات المعينة للصيد، بمعنى آخر كل ما يرتبط بالحياة المادية من مكاسب ومغانم وإمتيازات ومناصب ومراكز .
فإذا كان هنالك محبة لدى الفَعَلة أي أن الخدام لهذه الأشياء أكثر من محبتهم للمسيح فمن الطبيعي أن يكون الحصاد قليل، لأنَّ السعي ليس منصبًّا على الزرع والحصاد، بل منصبًّا نحو تحقيق المصالح الذاتية والمنافع الخاصة، وآخر الهم هي الرعية المؤتمن عليها والحصاد المرجو.
العبرة اليوم ليست في الكمية بل في النوعية، فتلاميذ المسيح الإثني عشر فتنوا العالم وغيروا مجرى التاريخ. وهناك عظماء، كانت عظمتهم في خدمتهم وفي عطائهم وفي مساهماتهم الجمّة التي رسَمت للبشرية معالم طريق الراحة والهناء والتقدم والتطور.
ولكي نحقق حصادا وفيرا، فإن ذلك لن يتحقق إلا بوجود فعلة مخلصين حتى ولو كانوا قليلي العدد، فنتذكر أن الخمسة أرغفة الشعير والسمكتان قد أشبعت الخمسة آلاف من الجموع، فالأهم أن يقوم بيننا خداما مدعويين ومكرسين وأصحاب رؤى وتطلعات للخير والبركة.