قانون الوصايا والمواريث للطوائف المسيحية وجردة حساب!! بقلم المحامي نزار ديات.

لم أكن ارغب في التعرض لهذا القانون قبل وصوله الى القنوات الرسمية لغايات إقراره كقانون نافذ ألا أن ما يتم تداوله على مواقع التواصل وتصريحات الكثيرين من غير العاملين او المطلعين على أحكام مشروع القانون وأسبابه الموجبة دفعتني الى كتابة هذه المقالة لأنصاف مشروع القانون ولأنصاف من عمل على صياغته مدة أكثر من سنتين قبل أن يقع مشروع القانون ضحية لتفسيرات لا علاقة لها به وقبل أن يُحمل بما ليس فيه .


القصة بدأت بقرار داخلي عند معظم الطوائف الدينية المسيحية لمراجعة تشريعاتها بشكل عام على ضوء التعديلات الدستورية التي تم إقرارها عام 2014 وما تلاها من تعديلات على قانون مجالس الطوائف الدينية المسيحية وإقرار أنظمة تتعلق بالرسوم والإجراءات ، فبادرت الطوائف الى تشكل لجان من متخصصين لأبداء الرأي بالتعديلات اللازمة على قوانينها لمجاراة الدستور والأفاق التي فتحها الدستور أمامها للتطوير والتحسين ولمجاراة روح العصر والتحلي بروحه.
فعملت الطائفة الأرثوذكسية على تعديل قانون العائلة البيزنطي وتم استكمال التعديلات ورفعت الى المجمع المقدس لدراستها تمهيدا لإقرارها وكذلك فعلت طائفة الروم الكاثوليك والجهود لا تزال جارية حتى تاريخه.
وفي هذا الأثناء ظهرت مبادرة من الطوائف لتوحيد الأحكام المشتركة فيما بينها بقانون واحد بعد أن فشلت فكرة قانون أحوال شخصية موحد كان قد تم اقتراحه بتوصية من قبل لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب عام 2014 ، فتوافقت الطوائف على أن تكون الخطوة الأولى هي قانون ارث موحد للطوائف المسيحية ينطلق من العقيدة المسيحية وثوابها حيث التقت هذه الخطوة مع مزاج شعبي تواق الى مثل هذه الخطوة فتم تكليف لجنة متخصصة لذلك وقامت كل طائفة من الطوائف المعترف بها في الأردن بتسمية شخص مختص لتمثيلها باللجنة – والتي لي الشرف باني احد أعضائها – ، وبدأت اللجنة عملها منذ اكثر من عامين وخلصت بالنتيجة الى مشروع قانون يتضمن الملامح التالية:

  1. حصر الإرث داخل الأسرة الواحدة بالتساوي بينهم مقسم على عدد أفرادها الباقين على قيد الحياة بتاريخ وفاة المورث ذكورا كانوا ام إناث مضاف إليهم الزوج الباقي على قيد الحياة.
  2. الأنثى كالذكر تماما تحجب غيرها من الطبقات .
  3. حفظت الوصية الواجبة في أكثر من حالة دون تمييز بين ذكر او أنثى.
  4. تم تحديد نصيب الزوج الباقي على قيد الحياة دون وجود أولاد (ذكور او انات) بنسبة 50% من التركة.
  5. وقف الإرث عند الدرجة الرابعة وإدخال الكنيسة كوارث بعد هذه الدرجة .
  6. إعطاء حق الايصاء لوارث بما لا يجاوز ثلث التركة بالإضافة الى الحصة الارثية ، وبكل التركة بموافقة الورثة ضمن شروط معينة ويعد هذا النص المقترح من اهم نصوص القانون كونه يخلق حالة من التوازن ويفتح الخيارات لفك أكثر من اشتباك واقعي قد يواجه الموصي (المورث) قبل وفاته تجاه وراثيه من حيث تحسين نصيب الوراث المحتمل من ورثة الموصي ذكر كان او انثى لاي غاية يراها الموصي مجدية وفقا لرايه ، ولكن هذه الأمر يقتضي إجراءات تسجيل للوصية أمام المرجع الكنسي المختص.
  7. كم تم تنظيم شروط الوصية والرجوع عنها وتنفيذها ومستحقيها والممنوعين منها وغيرها من الأمور.
    لا يخفى على احد أن مشروع القانون كغيره من القوانين سيجد من يؤيده وسيجد بكل تأكيد من يعارضه وستختلف الحجج والبراهين ، ولكن ثمة حالة يجب أن يتم استبعادها من واقع النقاش كونها قد حُسمت شرعا وقانونا من ناحية أن النص التشريعي الذي ينظم ويوحد حكم الإرث على جميع الأردنيين هو النص الوارد في المادة (1086) من القانون المدني الأردني وليس أي نص اخر ، ولا يوجد اي حالة صدام ما بين المشروع وبين أحكام الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع كون انه كما قلنا ان قاعدة الاسناد هي قاعدة في القانون المدني هذا بالإضافة الى أن الممارسة التاريخية في الأزمنة التي كانت فيها الشريعة الإسلامية هي القانون المطبق على المواطنين ، كانت هذه الممارسة تعطي المواطنين من غير المسلمين حق التقاضي في كافة أمورهم الدنيوية والشرعية الى مجالس طوائف التي تتبع لطوائفهم الدينية الى أن اقتصرت في نهاية الحكم العثماني على أمور الأحوال الشخصية حيث ساوت ما بين حق المسلم بالاحتكام لشريعته وتطبيق الشريعة الإسلامية عليه في أمور الأحوال الشخصية الخاصة به ، وأعطت ذات الحق لغير المسلم في الاحتكام لشريعته وتطبيقها في أمور الأحوال الشخصية امام مرجعياته الدينية ضمن الاطار الوطني .
    اليوم وبعد أن أنهت اللجنة المكلفة عملها واقر رؤساء الكنائس مسودة المشروع ، يقع العبء على كاهل نواب الأمة لان يلتقوا مع الإرادة الشعبية والمرجعية لإقرار مشروع القانون بعيدا عن القياس على مصالح الذات او الاختباء وراء حجج واهية ضمن عناوين رنانة لا تخدم المرحلة ودون انتقاص من حقوق المواطنة التي تساوي ما بين المواطنين في حقهم في اللجوء الى قانونهم الديني في أمور الأحوال الشخصية وفقا لنصوص الدستور الأردني .
    وأخيرا وليس أخراً ، اسمحوا لي أن اشكر الجنود المجهولين أعضاء اللجنة المكلفة من قبل رؤساء الطوائف اللذين عملوا على المشروع على مدار سنتين واكثر وهم السادة :
    الروم الأرثوذكس المحامي لؤي صليبا حداد ، اللاتين الأب د. همام الخزوز و الأب د. شوفي بطريان ، الروم الكاثوليك الأب د. بسام شحاتيت والمحامي خلدون سلايطة ، الإنجيلية الأسقفية العربية القس فائق حداد و المحامي فراس عازر ، السريان الأرثوذكس والمحامية اليانا اليان ، المارونية المحامي أندريه خوري ، الكنيسة الإنجيلية اللوثرية القس عماد حداد، الأقباط المحامي عادل حجازين ، الأرمن الأرشمندريت افاديس.

ولا يفوتني أن اشكر أيضا كل من القائمين على مبادرة “مساواة لحقوق المسيحيين ” والقائمين عليها اللذين كان لهم دور فعال في التفاف الجميع نحو هدف واحد ، كما يسجل لرؤساء الكنائس في المملكة هذا الموقف التاريخي ويبقى على ممثلي الأمة ترجمت صوت المواطنة الى واقع ملموس، والله من وراء قصد .