عنوان يثير التساؤل، فهل هناك حياة عبثية؟ وما معنى عبثية الحياة؟ مفهومان مختلفان نوعاً ما ولكنها قد يلتقيان عن نقطة معينة.
فحياتنا تصبح عبثية عندما تسير من غير هدف ومن غير تحديد مسار ومن غير رسم مستقبل. حياة من غير إتجاه تصبح كقصبة تحركها الرياح في كل الإتجاهات فتميل حيث تميل الريح، فلا تحمل من المعاني والمضامين والمعايير الإنسانية التي يمكن الإتكال عليها، وعلى مثل هذه الحياة لا تُبنى الأوطان ولا المجتمعات الإنسانية، ولا يمكن أن تشيّد المعاهد ولا أن تبنى المؤسسات بكافة تشكيلاتها وتشعباتها وتنوعها. لذلك، تصبح الحياة عبثية عندما تخلو من رسم الطموح ونصب الأهداف التي نرغب بالوصول إليها. وهذا يتطلب منّا قبل كل شيء أن نبني حياة مجتمعاتنا لتكون حياة ذات معنى وذات مضمون، وإلا تلقائياً تصبح عبثية لا فائدة مرجوة منها ولا قيمة. عندها تتغلب مفاهيم اللامبالاة ويضعف العطاء ويغيب الدافع على النشاط والحيوية في روتين الحياة اليومية. وهذا أخطر ما يواجه مجتمعاتنا البشرية وربما مجتمعاتنا المشرقية.
ولربما ما مرّت به منطقتنا من أزمات وإحتلالات وإستعمار حول حياة الكثيرين إلى حياة عبثية لضعفِ النفس البشرية وإنجرارها وراء المكاسب والمناصب الفاسدة والمنافع الآنية وعدم التطلع إلى حرية الأوطان وحقوق الناس بأن تعيش بكرامة وحرية وعدالة.
وأما الشق الثاني من العنوان ” عبثية الحياة”، يحمل عمقاً هاماً لما وجدت لتكون عليه الحياة أصلا وما قد تصبح عليه حقاً. فالحياة لم تخلق لتكون عبثية، فهناك غاية ومعنى من الخلق والخليقة. فالحياة قد تتحول إلى عبثية ومن غير معنى ولا مضون عندما تخلو الحياة من قيم الحب والجمال والفن والموسيقى والصداقة والوفاء والإخلاص والصدق والأمانة.
فبدون هذه المكونات لا شك بأن الحياة لا ترتقي إلى ما أراد الله لها أن تكون عليه من معنى وهدف وغاية. فلا بد للسماء أن تحدث بمجد الله وأن يخبر الفلك بعمل يديه، وأن يذيع من يوم إلى يوم كلاما، وأن يبدي من ليل إلى ليل علما.
وأما نقطة التلاقي بين المفهومين ” الحياة العبثية و”عبثية الحياة” هو فقدان التوازن مع بين الوجود والغاية، ما بين حياة الجسد حياة الروح، ما بين حياة الحاضر وحياة المستقبل، ما بين حياة الدنيا وحياة الآخرة.