.
تواصل رعية اللاتين الجبيهة مسيرة التنشئة التي بدأتها، وذلك بالتوازي مع مسيرة السينودس الكنسي للكنيسة الكاثوليكية، والتي تحمل شعارًا لها: شركة ومشاركة ورسالة.
وضمن هذا السياق، اطلق اليوم كاهن الرعية قدس الاب سامر مدانات، في الاحد الحادي عشر من الزمن العادي المُسمّى بشهر الارساليات، الدعوى لابناء الرعية لأن يكونوا هم وابناءهم أيضًا، رسل نور لنشر بشرى ملكوت الحب والسلام أينما حلّوا.
وانطلاقًا من النص الإنجيلي لهذا الأحد والمأخوذ من الخطبة الثانية من انجيل القديس متى فصل ١٠، والمُسماه خطبة الإرسال، نرى يسوع المسيح بعد أن أعلن دستور المملكة في الخطبة الأولى المُسماه بالعظة على الجبل، وبعد أن أشبع تلاميذه بكلام الرب، ها هو الآن يزوّد رسله بإرشادات نقل البشارة إلى الآخرين، ليتذوقوا هم أيضًا كلمة الرب العذبة المُعزّية للقلوب.
وتبدأ خطبة الإرسال بإعطاء التلاميذ السلطة على طرد الأرواح الشريرة، وكأية عملية بناء وجب في البداية أن تتم التهيئة والتمهيد. فلكي تنبت كلمة الرب في قلوب المؤمنين، وجب في البداية أن تُهيء هذه القلوب من خلال اخلاءها من كل روحً شريرة، وعندها تصبح الفرصة مُهيئة للاصغاء الى كلام الرب.
وبعد هذه التهيئة يرسل السيد المسيح رسله إلى الفئات الاقل حظًا، إلى تلك الجموع التي هي في أمس الحاجة إلى تعزية الرب: للمرضى، ولمن أصابهم برص الخطىيئة فأنهك قواهم، وإلى كل من وصل إلى حافة الموت الروحي فاستسلم واكتئب، إلى هؤلاء جميعًا يُرسل السيد المسيح رسله.
وهنا توجّه الأب سامر بالسؤال إلى الحضور، وأنتم أيضًا رُسل المسيح، فلماذا لا يخرج من بينكم من هو مُستعد، لأن يحمل بُشرى الخلاص للخاطئين، فيسير معهم وأمامهم لكي يُنير لهم قلوبهم، فيذوقوا هم بدورهم طعم الراحة في المسيح.
فما الذي يمنعنا، ويمنع ابناءنا وبناتنا من التكرّس لخدمة الرب، فنكون بدورنا مُرسلين في هذا العالم الذي تمزّقه الفوضى والشرور.
لقد أحب الرسل المسيح إلى أبعد الحدود، لقد اختبروا حبه المجاني وصلاحهُ، فكان هذا الحب هو زادهم، وهو الفتيل الذي أشعل في قلوبهم الرغبة في أن يكونوا مُرسلين مُلبين لدعوة المسيح.
فالارسالية هي نعمة ودعوة في الأساس، وعلى كل واحدٍ منّا أن يكتشف دعوته في الحياة، وأن يعيش هذه الدعوة إلى ملئها، بما يحقّق خلاص نفسه وخدمة الآخرين. فمجانًا أخذتم مجانًا أعطوا.
إن ارسالية الرسل كانت ضبابية، إذ أن هذه الارسالية قد سبقت القيامة وارسال الروح القدس في عيد العنصرة، أما ارسالنا نحن فمن المفترض أن يكون من الناحية النظرية أسهل، لأننا عاينا قيامة السيد المسيح وتذوقنا طعم الملكوت وحلول الروح القدس بالمعمودية وسر الإفخارستيا، ونحن نحيا في رخاء وسلام بعيدًا عن أية اظطهاد، فلماذا لا نجد اليوم مُرسلين تملئهم الغيرة لنقل البشارة للعالم؟
هل فترت محبتنا، وبذل أن نُغيّر العالم سمحنا للعالم بأن يُغيرنا؟ هل فقدنا البُعد الإرسالي في مسيرتنا الروحية، فأصبح أكبر إنجازاتنا، حضور القداس الالهي يوم الأحد؟ هل أضحى تمسّكنا ببقاء أبناءنا إلى جانبنا، صنمًا يحول بينهم وبين انطلاقهم لعيش رسالتهم مع المسيح؟ هل أصبحنا كأهل عائقًا في سبيل انطلاق رسالة المسيح، وأضحت أنانيتنا معاول هدم لملكوت الله؟
هذه الأسئلة تستحق من كل واحدٍ منّا وقفة تأمل ومراجعة، لأن الجواب على هذه الاسئلة هو ما سيُحدّد الوجهة التي ستسير إليها كنيستنا في المُستقبل. الرب يدعونا اليوم، كما دعا رسله من قبل، لأن نكون شهودًا للنور، والحق، والحياة، فما هو جوابنا على دعوة الرب، كيف أعيش الرسالة، وإلى أي حدٍ أنا أمين على حملها، كلاً في مكانه؟
في النهاية، نصلي ونطلب من رب الحصاد ان يرسل عملة لحصاده، فتزدهر الكنيسة بدعوات كهنوتية ورهبانية، لتكون شاهدة للمسيح ومعاول أمل ورجاء وتعزية، لتُشيّد مع المسيح ملكوت حبه على هذه الأرض، على رجاء أن نبلغ معه في مجيئه الثاني، ملء السعادة والسلام في ملكه السماوي. آمين.