يستعد البابا فرنسيس للقيام بزيارة رسولية إلى مونغوليا من الحادي والثلاثين من آب أغسطس وحتى الرابع من أيلول سبتمبر المقبلين. زيارة ستكون الأولى لحبر أعظم إلى هذا البلد الآسيوي كما أنها ستتوج عقودا من اللقاءات بين البوذيين والمسيحيين.
أقامت مونغوليا علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان في العام ١٩٩٢، وهي تعد حوالي ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف نسمة فقط، وفقا لإحصاءات العام ٢٠٢٠، اثنان وخمسون بالمائة منهم بوذيون، فيما يقول واحد وأربعون بالمائة إنهم “ليسوا متدينين”، وتصل نسبة المسلمين إلى ثلاثة فاصلة اثنين بالمائة والمسيحيين إلى واحد فاصلة ثلاثة بالمائة.
مما لا شك فيه أن عشرات السنوات من النشاط الإرسالي والدبلوماسي الذي قامت به الكنيسة والكرسي الرسولي في مونغوليا مهدت الطريق أمام الزيارة البابوية التي ستتم بعد شهر ونيف. كما أن هذه الزيارة تحمل بُعداً هاماً ألا وهو العلاقات الكاثوليكية البوذية والحوار بين أتباع الديانتين الذي يشكل ترياقاً ضد الصراعات والخلافات. إن الجهود التي بذلتها الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان، بالتعاون مع اتحاد المجالس الأسقفية الآسيوية وأطراف أخرى تمكنت من تحقيق خطوات هامة على صعيد الحوار بين البوذيين والمسيحيين، تهدف إلى بناء “ثقافة الرأفة”.
المونسينيور Indunil Janakaratne Kodithuwakku ، السريلانكي الجنسية، هو أمين سر الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان، وقد عينه البابا في هذا المنصب في العام ٢٠١٩، ويقول عن نفسه إنه وُلد في بيئة الحوار بين الأديان لأن والدته ترعرعت في كنف عائلة بوذية وأصبحت كاثوليكية عندما تزوجت، وقد اختلطت بالبوذيين والمسلمين والمسيحيين. ويضيف المسؤول الفاتيكاني في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الكاثوليكية “فيديس” أنه ترعرع ضمن ثقافة متنوعة، وهذا التنوع تمكن من صقل مواقفه ومفهومه ونظرته للعالم.
وعندما كان يدرس في جامعة أوربانيانا الحبرية بروما رافق طلابه إلى أحد المعابد البوذية في العاصمة الإيطالية لتتسنى لهم فرصة لقاء الرهبان البوذيين. ويرى سيادته أن الحوار بين الأديان هو عملية من التطور، ويعتبر أن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، لاسيما من خلال الإعلان المجمعي “في عصرنا”، هو من أعطى دفعاً لانطلاق عملية الحوار بين الأديان، مع العلم أن البوذيين شاركوا في العام ١٩٨٦ في لقاء الصلاة الشهير في أسيزي والذي شاءه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.
في هذا الإطار ستستضيف بانكوك، عاصمة تايلاند، في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل أعمال “الحوار السابع بين البوذيين والمسيحيين”، والذي سيجري برعاية الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان بالتعاون مع جامعة ماها ماكوت البوذية، مع العلم أن الحوار الأول عُقد في العام ١٩٩٥ في دير كاوسيونغ البوذي في تايوان. وتلاه الحوار الثاني بعد ثلاث سنوات في دير للرهبان البندكتان في بانغالور بالهند.
ويقول المونسينيور Kodithuwakku إننا نعيش اليوم في زمن يشهد تنامياً في النزعات القبلية، حيث تتقوى علاقة الفرد بجماعته الخاصة، ويفكر بها حصرياً فيما الآخرون يحتلون مرتبة ثانوية. بيد أن البابا فرنسيس – تابع سيادته يقول – يعمل على تعزيز مجتمع أخوي يُعامل فيه الآخرون كأخوة أو أخوات، وهذا هو نقيض المجتمع القبلي. وأضاف المسؤول الفاتيكاني أن الحوار بين الأديان، ومنذ بداياته، سعى جاهداً إلى تعزيز المجتمع الأخوي. ومع أن كل شخص يبقى راسخاً في هويته الخاصة، فثمة محاولة للانفتاح على الآخر في إطار الاحترام والتفاهم. وهذا الأمر، مضى سيادته يقول، لا يعني إخفاء أو إلغاء الاختلافات، فهذه الاختلافات تبقى لأن الديانات ليست متشابهة، لكن لا بد من احترام التنوع استنادا إلى القيم الكونية، وهكذا يصبح العالم مكاناً أفضل للجميع.
إلى موضوع الحوار البوذي الكاثوليكي تطرق أيضا عميد دائرة الحوار بين الأديان الكاردينال ميغيل أيوزو غيكسوت الذي كتب مرة أن البوذيين والمسيحيين في مختلف أنحاء العالم، وإذ رافقهم الحوار الأخوي والاحترام من طرف البابا فرنسيس، تمكنوا من إيجاد طرق خلاقة لمقاسمة أفراح وأسرار الحياة معاً، وللتعاون المشترك من أجل الخير العام ومن أجل بقاء واستمرار بيتنا المشترك. فمما لا شك فيه أن زيارة البابا الرسولية إلى مونغوليا تشكل ذروة قرابة ستين عاما من الحوار ومن نمو العلاقات الأخوية بين المسيحيين والبوذيين في البلد الآسيوي.