البابا خلال الاحتفال بصلاة الغروب في البرتغال يقول الكنيسة سينودسية وشركة وتعاون متبادل ومسيرة مشتركة

ترأس قداسة البابا فرنسيس الاحتفال بصلاة الغروب الأربعاء الثاني من آب أغسطس في Mosteiro dos Jerónimos “دير جيرونيموس” في لشبونة بحضور الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين، في إطار زيارته الرسولية إلى البرتغال بمناسبة اليوم العالمي السابع والثلاثين للشباب. وقبل الصلاة وجه رئيس مجلس أساقفة البرتغال المطران جوزيه اورنيلاس كارفاليو كلمة رحّب فيها بالبابا فرنسيس. وكانت هناك قراءة من رسالة القديس بولس الثانية إلى طيموتاوس

(١، ٧ – ١٠).

ألقى قداسة البابا فرنسيس عظة خلال صلاة الغروب استهلها معبّرا عن فرحه لوجوده بينهم لنعيش مع شباب كثيرين اليوم العالمي للشباب، ولنشارككم أيضا، كما قال، مسيرتكم الكنسية، جهودكم وآمالكم. وتوقف الأب الأقدس عند الدعوة الأولى للتلاميذ الذين دعاهم يسوع على شاطئ بحر الجليل، مسلطا الضوء على ما تم الإصغاء إليه من رسالة القديس بولس الثانية إلى طيموتاوس “خلَّصنا الرب ودعانا، لا بالنظر إلى أعمالنا، بل وفقًا لنعمته” (راجع ٢ طيموتاوس ١، ٩). وقال البابا فرنسيس هذا ما حدث في حياة التلاميذ الأوائل حين رأى يسوع “سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ، وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادونَ يَغسِلونَ الشِّباك” (لوقا ٥، ٢). إذ ذاك صعد يسوع إلى سفينة سمعان، وبعد أن تحدّث إلى الجموع، بدّل حياة هؤلاء الصيادين ودعاهم ليسيروا في العُرض ويُلقوا الشباك. وأشار البابا فرنسيس إلى أننا نلاحظ على الفور تباينًا: ينزل الصيادون من السفينة لغسل الشباك أي لتنظيفها وحفظها جيدا والعودة إلى البيت؛ ويصعد يسوع إلى السفينة ويدعو إلى أن يُلقوا مجددا الشباك للصيد. ويظهر هذا التباين: ينزل التلاميذ، ويصعد يسوع؛ هم يريدون حفظ الشباك، وهو يريد أن يُلقوها مجددا في البحر للصيد.

وأشار البابا فرنسيس في عظته إلى أن يسوع نظر بحنان إلى سمعان ورفاقه الذين كانوا يغسلون شباكهم وهم متعبون ويائسون، ولم يبق لهم إلا العودة إلى البيت بأياد فارغة. وأضاف أنه قد يتم الشعور أحيانا في مسيرتنا الكنسية بتعب مماثل، حين يبدو لنا أننا نمسك بين أيدينا شباكًا فارغة فقط، ولفت إلى أنه شعور منتشر في البلدان ذات التقاليد المسيحية القديمة، والتي عرفت تغيرات اجتماعية وثقافية عديدة، وتتسم أكثر فأكثر بالعلمنة واللامبالاة إزاء الله، وبابتعاد متزايد عن ممارسة الإيمان. ويتفاقم ذلك أحيانا بسبب خيبة الأمل والغضب اللذين يشعر بهما البعض تجاه الكنيسة، أحيانا بسبب شهادتنا السيئة والعثرات التي شوّهت وجهها، وتدعونا إلى تنقية متواضعة ومستمرة، بدءا من صرخة ألم الضحايا، وينبغي دائما الإصغاء إليها. وأشار البابا فرنسيس أيضا إلى أن الخطر، وعندما نشعر بأننا محبطون، هو النزول من السفينة، والبقاء متمسكين بشباك الاستسلام والتشاؤم. وبدلا من ذلك، يجب أن نحمل إلى الرب تعبنا ودموعنا، لنواجه من ثم الأوضاع الرعوية والروحية وذلك بقلب منفتح ونختبر معا طرقا جديدة لاتباعها، واثقين أن يسوع يواصل الإمساك بيد عروسه الحبيبة،الكنيسة، وينهضها.

وأضاف البابا فرنسيس أنه ما إن نزل التلاميذ ليغسلوا الأدوات المستخدمة صعد يسوع إلى السفينة ثم دعاهم إلى أن يرسلوا الشباك مجددا. إنه يبحث عنا في وحدتنا وأزماتنا ليساعدنا على البدء من جديد. واليوم أيضا يمر على شواطئ حياتنا ليوقظ الرجاء ويقول لنا أيضا، كما قال لسمعان والآخرين: “سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد” (لوقا ٥، ٤). وأشار البابا فرنسيس من ثم إلى أن ما نعيشه هو بالتأكيد وقت صعب، لكن الرب يسأل اليوم هذه الكنيسة: “هل تريدين أن تنزلي من السفينة، أم أن تدعيني أصعد وتسمحي لجديد كلمتي مرة أخرى بأن يتسلّم دفة القيادة؟ أتريدين فقط الحفاظ على الماضي الذي وراءك أم إرسال الشباك مجددا بحماس للصيد؟ وأضاف البابا فرنسيس أن ما يطلبه الرب منا هو أن نوقظ “القلق للإنجيل”. إرسال الشباك مجددا ومعانقة العالم برجاء الإنجيل: هذا ما نحن مدعوون إليه، قال البابا فرنسيس في عظته، مضيفًا أن الوقت الآن ليس للتوقف والاستسلام وإرساء السفينة على الشاطئ أو النظر إلى الوراء. إنه وقت النعمة الذي يعطينا إياه الرب لنبحر في بحر البشارة والرسالة.

وتابع البابا فرنسيس مشيرا في هذا الصدد إلى ثلاثة أمور مستوحاة من الإنجيل، أوّلها، وكما قال، “السير في العُرض”، مضيفًا أنه لإرسال الشباك مجددا في البحر، ينبغي أن نترك شواطئ الجمود. وذكّر بما فعله سمعان على الرغم من تعبه الليل كله بدون جدوى قائلا ” بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباك” (لوقا ٥، ٥). ولكن، كي نثق كل يوم بالرب وكلمته، لا تكفي الكلمات، بل هناك حاجة للصلاة كثيرا. في السجود، وفقط أمام الرب، نجد الشغف للبشارة. وتوقف من ثم عند النقطة الثانية وهي “القيام معا بالعمل الرعوي”، وأشار إلى أنه في نص الإنجيل، أوكل يسوع إلى بطرس مهمة السير في العُرض، ومن ثم تكلّم بصيغة الجمع قائلا “أَرسِلوا شِباكَكُم” (لوقا ٥، ٤). إن بطرس يقود السفينة، ولكن الجميع على متن السفينة، والجميع مدعوون إلى أن يرسلوا الشباك. وأضاف أنه عندما اصطادوا كمية كبيرة من السمك، لم يعتبروا الهبة ملكا خاصا لهم، وإنما، كما يقول الإنجيل” أَشاروا إِلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم” (لوقا ٥، ٧). فملأوا هكذا سفينتين، لا سفينة واحدة. وسلط البابا فرنسيس الضوء من ثم على أن الكنيسة هي سينودسية وشركة وتعاون متبادل ومسيرة مشتركة. وأشار إلى أنه على متن سفينة الكنيسة يجب أن يكون هناك مكان للجميع. فجميع المعمدين مدعوون إلى الصعود إلى السفينة وإرسال الشباك، ملتزمين بإعلان الإنجيل. كما وأشار الأب الأقدس إلى أنه في الكنيسة نساعد بعضنا البعض وندعم بعضنا البعض، ونحن مدعوون لنشر جو الأخوّة البناءة في الخارج أيضا. وذكّر بما كتبه القديس بطرس في رسالته الأولى حول أننا الحجارة الحية لبناء بيت روحي (راجع ١ بطرس ٢، ٥).  

أما النقطة الثالثة والأخيرة التي أشار إليها البابا فرنسيس فهي أن “نصبح صيادي بشر”، وقال إن يسوع أوكل إلى تلاميذه رسالة السير في عُرض البحر والعالم. وأضاف يقول في عظته إن هناك الكثير من الظلمات في مجتمع اليوم، وأيضا في البرتغال، وأشار إلى الشعور وكأن الحماس، والشجاعة على الحلم، والقوة لمواجهة التحديات، والثقة في المستقبل قد غابت كلها؛ ونبحر في عدم اليقين، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وفقر الصداقة الاجتماعية وانعدام الأمل. وككنيسة، أُوكلت إلينا مهمة أن نغوص في مياه هذا البحر ونرسل شباك الإنجيل، حاملين إلى أناس زمننا اقتراح حياة جديدة، حياة يسوع: نحمل قرب الآب إلى أوضاع يزداد فيها الفقر، خصوصا بين الشباب؛ نحمل محبة المسيح حيث العائلة ضعيفة والعلاقات مجروحة؛ ونحمل فرح الروح حيث يسود الإحباط.

وفي ختام عظته خلال الاحتفال بصلاة الغروب في “دير جيرونيموس” في لشبونة بمشاركة الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين والعاملين الرعويين، شكر البابا فرنسيس الجميع على إصغائهم، وما يقومون به، ومثالهم ومثابرتهم، موكلاً الجميع إلى العذراء مريم سيدة فاطيما وحماية قديسيهم الكبار وخصوصا القديس أنطونيوس، الواعظ الملهَم، وتلميذ الإنجيل المتنبه لشرور المجتمع والممتلئ بالرأفة إزاء الفقراء. وطلب البابا فرنسيس من الجميع ألاّ ينسوا أن يصلّوا من أجله.