يتمتع العقل البشري بإمكانيات جسام تخوله إن يسبر غور متعرجات الإبداع الخلاق ناهيك عن تحكمه بالطاقة الكامنة ليس بجسمه فحسب بل بكل كيانه الوجودي من نفس وجسد وروح لا بل إن لم بخصعه كله في نهاية المطاف للخالق فإنه سوف يتشيطن ليسرق الطاقات الحرام إي تلك الطاقات التي لاتحل له.
ما علينا…. ليش موضوعنا هو حقيقة الطاقة بل موضوعنا هو النسيان الإيجابي الذي منحه الله للعقل البشري متحكما في إلغاء الذكريات السيئة والاحتفاظ بالجيدة منها.
وهنا اسرد عدة فوائد روحية للنسيان من ما طالعت في خبايا الرحيق الروحي للمثلث الرحمات غبطة البابا المتنيح البابا شنودة وتاليا لنتمعن بها.
من أبرز فوائد النسيان:
1- أن ينسي الشخص الإساءات التي سبق توجيهها إليه.
وذلك حتي لا يدخل الحقد ولا الكراهية إلي قلبه. وما قد يتبع ذلك أحياناً من رغبة في رد الاساءة بمثلها فلو كنا لاننسي إساءات الناس إلينا. لكانت نفوسنا. وقلوبنا تتعقد من جهتهم. وتظل إساءاتهم حاجزاً ما بين قلوبنا وقلوبهم. ولهذا لا يكفي فقط ان نغفر لهم ما قد فعلوه أو قالوه. بل ان ننسي لهم كل ذلك. وهكذا قيل في المثل الانجليزي
Not Only to forgive but rather to forget
ولهذا سمح الله ان ننسي. وأصبحت للنسيان فائدته.
2- هناك فائدة أخري للنسيان. وهي أن ننسي الأعمال الفاضلة التي فعلناها. حتي لا ندخل في خطيئة البر الذاتي:
حتي لا يفتخر الإنسان بما فعله. ويكبر في عينيْ نفسه. ويحب المديح والكرامة. وان ينال مكافأة علي الأرض لقاء ما فعل. ويكون أيضاً حكيماً أو باراً في عينيْ نفسه فياليت كل إنسان ينسي الفضائل التي عملها. من أجل انشغاله بفضائل أخري يريد أن يعملها..
ينسي الخير الذي فعله. مفكراً في خير أعظم يجب عمله.
بل ينسي أيضاً أنه هو الذي فعل ذلك الخير.
ناسباً إياه إلي نعمة الله التي أعانته علي عمله. وليس إلي شخصه هو وإلي قوته وتقواه. وحتي في داخل نفسه. يقول باستمرار: لا أنا بل نعمة الله العاملة معي..
3- من فوائد النسيان أيضاً. أن ننسي للناس نقائصهم وعيوبهم.. فلا تثبت باستمرار في ذاكرتنا.
وذلك حتي لا ندينهم بألسنتنا. ولا حتي في الفكر والقلب ولا يصغر قدرهم في نظرنا فنحتقرهم أو علي الأقل لا نحترمهم وحتي لا نقارن بين مستوانا العالي “!!” ومستواهم السييء.. فتدخل في قلوبنا الكبرياء والخيلاء بالمقارنة..
وإذ ننسي أخطاء الناس ونقائصهم. ننجو من خطيئة اخري. وهي أننا لا نلوث سمعتهم بألسنتنا. ولا نتخذهم مادة للنقد والتشهير. ولا تكون أنفسهم رخيصة في أعيننا.
4- ومن فوائد النسيان. أن ينسي الإنسان ذاته في كل ما يعمله. ولا تصبح ذاته هي الهدف..
وهنا يدرك فضيلة “إنكار الذات”
ويصبح هدفه هو مجد الله علي الأرض. ويصبح هدفه هو الخير وسعادة المجتمع الذي يعيش فيه.
أما ذاته هو. فينساها تماماً أثناء عمل الخير
لأنه لا يفعل الصلاح من أجل مجد تناله ذاته. أو من أجل كرامة له أو مصلحة خاصة.
5- ومن فوائد النسيان. أن ينسي الإنسان التافهات. فلا تشغل فكره. بل ينشغل بما هو أهم…
ففي مجري حياتنا اليومي. تقابلنا أمور كثيرة تافهة لا تستحق منا أن تشغل أذهاننا أو أحاديثنا. أو أن نعطيها اهتماماً يضيع فيه وقتنا الذي يمكن أن نستغله فيما هو اهم. أي فيما يبني أنفسنا وأنفس الآخرين أيضاً.
لأن ذهن الإنسان له طاقة معينة من حيث قدرة ذاكرته فمن الصالح لنا ألا نشغل ذاكرتنا أونجهدها في حفظ ما لا يعود عليها بأي نفع من معلومات تافهة قد تستقر في العقل الباطن أيضاً ويسرح بها الفكر.
لذلك سمح الله لطبيعتنا بالنسيان. لكي ننسي الأمور التافهة. ولا نستبقي في عقلنا إلا ما هو مفيد.
6- كذلك هناك أمور ضارة. يحسن بنا أن ننساها لمنفعتنا
كأمور سجلتها الحواس من نظر وسمع. وقد تكون معثرة أو أمور تسجلت في الذاكرة من معلومات ضارة في ذاتها أو مصدر لضرر. عبارة عن معارف متعبة يقول العقل النقي “ليتني ما عرفتها”! أو صور رسخت في العقل الباطن. يصلي الإنسان أن تمحي منه أو أخبار مزعجة أو مؤلمة.. كل ذلك يذكرنا بفوائد النسيان.
وأخيرا يبقى إن نردد وعد الله لنا على لسان النبي أشعياء :
“هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟
حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ.”
(إش 49: 15).