استقبل البابا فرنسيس قبل ظهر اليوم السبت ٢٦ آب أغسطس وفد جائزة “إنها الصحافة” لمناسبة تسليم قداسته الجائزة. وعقب ترحيبه بالجميع ذكر قداسته إنه وحتى قبل أن يصبح أسقف روما كان لا يحبذ تلقي الجوائز إلا أنه قبل هذه الجائزة انطلاقا من الحاجة إلى اتصالات بَناءة تدعم ثقافة اللقاء لا الإقصاء، السلام لا الحرب، الانفتاح على الآخر لا الأحكام المسبقة. وتابع قائلا لضيوفه إنهم من الأسماء الهامة في الصحافة الإيطالية مضيفا أنه يريد أن يُعرِّفهم برجاء له وأيضا أن يطلب منهم المساعدة.
وفي حديثه عن رجائه قال الأب الأقدس إنه الرجاء في أن يعاد اكتشاف وأن يُنَمى مبدأ الواقع وذلك في زمن يبدو فيه أن الجميع يُعلِّقون على كل شيء وذلك غالبا حتى قبل الحصول على معلومات. وتحدث قداسته بالتالي عن واقع الأمور وديناميتها والتي هي في تطور مستمر نحو الخير أو نحو الشر، وشدد بالتالي على أن رجاءه هذا ينطلق من الحرص على تفادي أن يتحول مجتمع الإعلام إلى مجتمع إعلام مضلِّل. وأشار قداسته هنا إلى ما وصفها بأربع خطايا في عالم الصحافة ألا وهي الإعلام المضلِّل والافتراء والتشهير بالأشخاص والبحث عن الفضائح. وواصل البابا متحدثا عن الحاجة إلى نشر ثقافة اللقاء والحوار والإصغاء المتبادل، ثم توقف في حديثه عند الثقافة الرقمية التي حملت إلينا الكثير من إمكانيات التبادل إلا أنها تهدد من جهة أخرى بتحويل الاتصالات إلى شعارات. وشدد قداسته هنا على أن الاتصالات ليست شعارات بل هي تسير دائما في اتجاهين، فأنا أتكلم وأصغي وأجيب وذلك دائما في حوار. وواصل الأب الأقدس معربا عن قلقه أمام الأنباء الزائفة على سبيل المثال والتي تسعى إلى توجيه الرأي العام، وشدد هنا على ضرورة عدم التأثر بلغة الكراهية. هذا وتحدث البابا فرنسيس عن المرحلة المأساوية التي تعيشها أوروبا حاليا والحرب المتواصلة في أوكرانيا فأكد أننا مدعوون إلى المسؤولية، وأعرب عن الرجاء في فسح المجال لأصوات السلام ولمن يجتهد من اجل إنهاء هذا النزاع وغيره من نزاعات كثيرة، وألا نستسلم لمنطق الحرب بل أن نؤمن ورغم كل شيء بمنطق السلام والحوار والدبلوماسية.
ثم انطلق البابا فرنسيس للحديث عما وصفه في بداية كلمته بطلب المساعدة الموجه إلى ضيوفه، فتحدث عن هذه اللحظة التي تشهد الكثير من التكلم والقليل من الإصغاء، وحيث هناك خطر ضعف حس الخير العام، وقال إن الكنيسة وفي هذه اللحظة قد بدأت مسيرة لإعادة اكتشاف كلمة “معًا”، السير معا والتساؤل معا والأخذ على العاتق معا وذلك في تمييز جماعي هو بالنسبة لنا الصلاة ومثلما فعل الرسل الأوائل. تحدث قداسته بالتالي عن السينودسية والتي نريد أن تكون عادة يومية، قال البابا مشيرا إلى الجمعية العامة للسينودس حول السينودسية والتي ستُعقد في تشرين الأول أكتوبر القادم. وتوقف قداسته عند أهمية كلمة “معًا” خاصة في زمن الإقصاء الذي نعيشه.
وتابع الأب الأقدس أنه يدرك أن الحديث عن سينودس حول السينودسية قد يبدو غير هام بالنسبة للرأي العام، إلا أن ما حدث خلال السنة الأخيرة والذي سيتواصل في الجمعية العامة القادمة ثم في مرحلة ثانية سنة ٢٠٢٤ هو أمر هام بالفعل بالنسبة للكنيسة. وأراد قداسته التذكير في هذا السياق بأن هذه المسيرة قد بدأها البابا بولس السادس في ختام المجمع الفاتيكاني الثاني حين أسس أمانة سينودس الأساقفة، وذلك لأنه قد لاحظ عدم تطبيق السينودسية في الكنيسة الغربية على عكس الكنيسة الشرقية التي تتميز بهذا البعد. وواصل الأب الأقدس متحدثا عن أهمية هذه المسيرة والتي تقدم الكنيسة من خلالها أمرا هاما للعالم غير القادر في بعض الأحيان على اتخاذ القرارات حتى وإن كان على المحك بقاؤنا على قيد الحياة في حد ذاته. وتابع الأب الأقدس أننا نحاول تعلُّم أسلوب جديد لعيش العلاقات والإصغاء أحدنا إلى الآخر من أجل الإصغاء إلى صوت الروح القدس واتِّباعه، قال البابا فرنسيس وأضاف أننا قد فتحنا أبوابنا ووفرنا للجميع إمكانية المشاركة وأخذنا بعين الاعتبار احتياجات ومقترحات الجميع، وأكد الرغبة في أن نساهم معا في بناء كنيسة يشعر فيها الجميع بأنهم في بيتهم وحيثما لا يُقصى أحد. طلب المساعدة الذي يتحدث عنه البابا بالتالي هو ما عبَّر عنه سائلا ضيوفه باعتبارهم معلمي صحافة أن يساعدوه على سرد هذه المسيرة في حقيقتها والخروج من لغة الشعارات والسرد مسبق الصنع، فهكذا سنجني جميعا الفوائد وأنا واثق أن هذه أيضا هي الصحافة، قال الأب الأقدس.
ثم ختم البابا فرنسيس كلمته إلى وفد جائزة “إنها الصحافة” لمناسبة تسليمه الجائزة شاكرا ضيوفه على هذا اللقاء وما يعنيه بالنسبة لالتزامنا المشترك من أجل الحقيقة والسلام، قال قداسته. ثم أوكل البابا الجميع إلى شفاعة مريم العذراء سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.
هذا وتجدر الإشارة إلى ما جاء في بيان لمنظمي مبادرة منح الجائزة لقداسة البابا فرنسيس حيث تم التعريف بمبررات هذا القرار. وذكر البيان في البداية أن اختيار منح الجائزة للبابا فرنسيس يتماشى بشكل تام مع أهداف الصحفيين الذين أسسوا هذه الجائزة سنة ١٩٩٥، وهم أربعة من كبار الصحفيين الإيطاليين: إندرو مونتانيلي، إنزو بياجي، جورجو بوكا وجانكارلو أنيري. وأشار البيان إلى هذه الأهداف إلا وهي مساعدة الصحافة على أن تكون أكثر وعيا بدورها كتعبير حر وبإسهامها في بناء العدالة من خلال خدمة الحقيقة. وأضاف البيان أن البابا فرنسيس يُعبِّر من خلال رسالته، وكصوت وحيد، عن شجاعة استخدام الحوار لقول كلمات سلام. ويشكل اختيار منح الحبر الأعظم الجائزة علامة هامة لعالم الإعلام وخاصة للأجيال الشابة من الصحفيين.