“أَلَيْسَ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدًّا يَتَحَوَّلُ لُبْنَانُ بُسْتَانًا، وَالْبُسْتَانُ يُحْسَبُ وَعْرًا؟” (إشعياء ١٤:٢٩) القس سامر عازر




إستوقفتني هذه الآية من قراءات الأحد الثاني عشر بعد عيد الثالوث الأقدس لما تحملُه من معانٍ عميقةٍ نحتاج إليها في عصرنا الحاضر ونتوق لها، لأننا دائماً نتطلع إلى الخُضرة والجمالِ وإلى البساتين الجميلة التي تُسّر الناظرين إليها وتستهوي القلوب والنفوس.

فالإنسان بطبعه يَهوى الجمالَ والحبَّ ويبغضُ الفوضى والخرابَ والوَعْر. والفلاح يعمل على الدوام ليحوّل الوعر إلى أرض خصبة تُنتج ما لذَّ وطابَ من العنب والتين والرمّان واللوز والمشمش والدراق والخوخ والبرتقال وغيره.

وتتكلم الآية من سفر إشعياء النبي، أحد الأنبياء الكبار، عن مدة يسيرة، أي برهة من الزمن، لن تطول يحتاج إليها لبنان ليصبح بستانا. ولبنانُ إذ يقف هنا رمزاً للجمال والطبيعة الخلابة والحبّ والسلام والإستقرار وتحقيق العدالة والكرامة الإنسانية. وتؤكد هذه الآية حتمية تَحوّل لبنان إلى ذلك البستان الذي تشتهيه وتستهويه النفس البشرية.

وهذه هي طبيعة حياتنا، فنحن دائمي الشوق والسعي لكل قيم الحب والجمال، ولكننا نحتاج أن نتعلَّمَ الصبرَ المفضي إلى تحوّل الصَحَارَى والخِرَب إلى بساتين وغابات جميلة. وهذا الصبر هو صبرُ الإجتهاد والمثابرة والعمل الجاد والمخلص والنابع من القلب، لأنه وحده المُفضي إلى تحقيق المعجزات، وإيماننا ليس ببعيد عن تحقيق المعجزات، وعالمنا يستحق أن تتحقق فيه المعجزات لما تعود على الأنام بالنفع والفائدة، فتخففَ من أعباءِ الحياة وتفتحُ أبوابَ الأمل والرجاء على الدوام.

وكما يصف إشعياء النبي بأنَّ تحقيقَ مثلُ هذه المعجزات يجعل الصمَّ يسمعون أقوال السّفرِ أي كلمات الحكمة الإلهية، ويجعل عيون العُمي قادرة أن تنظر من القَتام والظلمة، وأما البائسون فيقدرون أن يفرحوا بالرَّبِ والمساكين أن يهتفوا بإسم الله القدوس.

نعم، سوف تتحقق هذه المعجزات في عالمنا بمثل هذا الصبر المثابر والمُلِّحِ على تحقيق النجاحات مهما إعترت مسيرة حياتنا من تحديات وآلام وعقبات ومطبّات، فالطبيعة ترفض الفساد والظلم والإستعباد والقهر والإستبداد، وتسعى في طريق النور والخير والحرية والعدالة.

وها نحن عندما نرى غرس أيدنا متمثَّلاً في أبنائنا، جيل المستقبل الواعي، الناضج، المثقف والمتعلم، والمتشوق للحياة، نزداد قوة وعزيمة على أننا يجب أن لا نكِّل ولا أن نعيا في طريق الحياة الطويل الشاق ولكنه المفضي إلى حياة الجمال والحبّ والسلام.