ربما علينا أن ندعو الله ونسأله أن يهدنا “الطريق المستقيم” الذي يقودنا إلى شبع نفوسنا الجوعى والعطشى إلى البّر.
فالجوع والعطش وإن إرتبطا بحاجات الجسد، إلا أنَّ هناك جوع وعطش من نوع آخر وهو جوع القلب وعطشه، وهذا الجوع وهذا العطش لا يُشبعان ولا يُرويان إلا من النبع الإلهي الذي يشبع النفوس المشتهية ويملأ النفوس الجائعة خيرا.
والكثير من البشر همُّهُم السعي لشبع بطونهم وإرواء عطشهم من مُسكِراتِ هذا العالم. وهذا الجوع وهذا العطش لا ينتهيان، بل على العكس يزداد الإنسان جوعان وعطشا للمادة، ولأجل الحصول عليها تنزلق نفسُهُ إلى أدنى مستوياتها، فيفقدَ قيمَهُ الروحيه ومبادءَهُ الساميةُ ولا يعودُ يرى كرامةَ الناس ولا حقوقَهم، والأخطر أنَّ أمثال هؤلاء يتظاهرون بالتدين وعمل الخير والإحسان، والحقيقة أنهم بعيدون كل البعد عن التديّن الحقيقي المبني على أُسس الإستقامة والنزاهة والعدالة والكرامة الإنسانية.
والحقيقة الساطعة أنه مهما شبع الإنسان وإرتوى من مال العالم وأمجاده، فلا يمكن أن تُشبِعَ جوعَ نفسهِ وعطشَ قلبه الحقيقيين حتى ولو كان له مال قارون، بل تبقى نفسُه جائعه وعطشى، فالمادة لا يمكن أن تَحِّلَ محَّلَ الروح ولا تعوّض عنها، فجوعُ النفس الحقيقي هو لخالِقِها وكذلك عطشُ القلبِ دائماً هو إلى الإرتواء من نبع محبته الإلهية. لذلك فنَفسُ الإنسان لا يمكن أنْ تطمئنَ دون أن تشبعَ وترتويَ من هذا النبع الصافي الذي يملئُ النفس فرحاً وسلاما حتى ولو سار الإنسان في وادي ظّل الموت، فإطمئنان النفس وشبع القلب ترفعه فوق كلِّ الآلام والصعوبات، فلا يعود يخاف شرّا لأنَّهُ مُتيقن أنَّ اللهَ معهُ، “وإن كان الله معنا فمن علينا”. فمهما قست علينا الحياة ومها عَلَت أمواجُها العاتية ومهما تعرضنا لهزات ونكسات في حياتنا، فلن نستكين أو نرفع الراية البيضاء، بل نزداد ثقة بأننا قادرون بعون الله أن نجتاز كلَّ المحنِ والصعوبات والتحديات وأن نحقق النصر الأكيد.
قد نُشبع بُطوننا ونَروي عطشنا، ولكنَّنا نبقى جوعى وعطشى للبّر، وحتى تستقيمَ حياتُنا وتثمرَ بإنجازاتٍ تخدمُ بها المجتمعَ والناس َوالوطنَ يجبُ أن ترتوي نفوسُنا أولاً من محبة الله الفيّاضة، فرأس الحكمة مخافة الله، ومن يخاف الله لا خوف منه ولا خوف عليه.