قد يدور الإنسان حول الهدف ولكنه لا يصيبه، وهذه مشكلة كثيرين في الحياة، إذ لا يعرفون أن يصوّبون سهامهم تجاه الهدف بل يحومون حوله، ربما لعدم تدريب كاف أو لعدم تركيز أو لعدم معرفة أو حتى لعد تطبيق القواعد الضرورية لذلك، والنتيجة هي عدم التصويب الصحيح نحو الهدف.
في كثير من الأحيان يكون الهدف هو شرط تحقيق النجاح وليس الدائرة المحيطة به كما في لعبة رمي الأسهم Darts. وبقدر ما يمارس الإنسان هذه اللعبة الحماسية بقدر ما يستطيع أن يصّوب نحو الهدف ويصيبه.
وفي إنجيل اليوم من مرقس البشير الأصاح الثاني عشر (مرقس 12: 28-34) يتحدث المسيح عن إصابة الهدف كضرورة في حياة الإنسان المؤمن. فجواب المسيح لأحد الكتبة “لست بعيدا عن ملكوت السموات” هي المؤشر على ذلك، فالأهم أن نصيب الهدف لا أن نحوم حوله، وكأنه يقول له، أنت تعرف الوصايا، وتؤمن بوحدانية الله، وتعرف أن مفتاح الطريق لملكوت السموات هي المحبة الكاملة غير المنقوصة الصادرة عن كل القلب وعن كل النفس وعن كل الفكر وعن كل القدرة، وتعرف أن المحبة هي التي لا تصنع شراً ولا أذية للقريب، هذا كله مؤشر على أنك تحوم حول الهدف، ولكن هذه المعرفة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تقودك إلى إصابة الهدف إن كنت تسعى لأن تكون من أبناء الملكوت.
حال هذا الشخص حال الكثيرين في عصرنا هذا. فنحن نحب نحب الله، لكن محبتنا لله منقوصة، محبتنا مجتزئة، محبتنا غير كاملة، ومن كانت محبته غير خالصة لا يمكن أن يعطي كل ما في قلبه وكل ما في نفسه وكل ما في ذهنه وكل ما قدرته، وبقول المسيح، “حيث يكون قلبك هناك يكون كنزك أيضاً”. إن عدم كون هذه المحبة بهذا المعيار تعني القصور في محبتنا لله. وهذا يفسر الكثير من السلوكيات الشكلية والسطحية والبعيدة عن روح الإيمان، فلا يكفي الإعلان عن محبتنا لله، ولا يكفي أن نعرف عن تلك المحبة ولا يكفي أن نتغزل ونتغنّى ونترّنم بتلك المحبة، بل أن نمارس تلك المحبة قولا وعملاً.
وممارسة تلك المحبة مكلفة ومؤلمة وشاقة ولكنها الطريق الوحيد لتصيبَ حياتُنا لهدَف والدخول إلى ملكوت الله وليس الحوم حوله. وإظهار تلك المحبة، كما أشار المسيح ليس بتقديم بالمحرقات والذبائح، فأهم ما يجب أن نحرقه في حياتنا هي روح الأنانية، روح الإنتقام، روح الإستعلاء، روح التكبّر، روح التسلّط وروح البّر الذاتي، وأما الذبيحة التي يطلبها منا الله فهي تقديم ذبيحة حياتنا في جهادها وعطائها وتعبها وآلامها في سبيل خدمة القريب الذي نحيا معه في قارب الإنسانية، والذي وجب أن نحبه كأنفسنا. ومحبة القريب كالنفس ممكنة، لأنها لا تعني أن لا نحب أنفسنا، بل كما وجب أن نحب أنفسنا ونعتني بمصلحتنا وجب أيضاً أن يكون قلبنا أيضاً على قريبنا، فنتمنى له ما نتمنّاه لأنفسنا، وليس الإساءة له وإغتيابه والنميمة عليه وتشويه سمعته، فتكون حيانا فرحاً لفرحه وحزنا لحزنه، عندها لا نعود نسمع جملة “لست بعيداً”، بل أنت في عمق قلب الله.