أولى شمعات الإستعداد لفصل الميلاد المجيد هي شمعة الإيمان، ويليها ثلاثة شمعات أخريات، وهنّ شمعة الرجاء وشمعة المحبة وشمعة الفرح، وتضاء على مدار أربعة آحاد وأربعة أسابيع.
وهذه الشموع ضرورية لأنها تعبر عن حياتنا كيف يجب أن تكون في عالم أضحى بعيداً عن القيم والمبادئ السماوية وعن الحياة الروحية التي وجب علينا أن نحياها، والتي بدونها لا يستقيم عالمُنا بحسب شريعة الله وتعاليمه السماوية في ممارسة حياة المحبة النقية الصافية دون خداع أو نفاق، وعلى التمسك بالرجاء الحي بأنّه مهما تعرضت سفينة حياتنا للإضطرابات والتحديات والفشل والخوف والدمار والحرب وفقدان الأمل يبقى رجاؤنا بإلهنا ثابتاً وأكيدا بأن الله معنا ولن يتركنا، بل سيُعيننا ويقف إلى جانبنا ويسير معنا ويقوينا لنجاهد الجهاد الحسن ونكمل السعي في حياتنا إلى أن نَلبس إكليل البر الذي لا يفنى ونتمتع بالميراث السماوي الذي لا يفنى ولا يتدنس ولايضمحل ومحفوظ في السموات لأجلنا.
وفوق كل شي أن يلازمنا في كل الإحوال الفرحُ السماويُ النابعُ من جوهر الذات الإلهية، وحتى في أصعب اللحظات وأفظعها وحتى في وسط الضيق والشدة والحزن والنحيب يُبقى قلوبنا ممتلئة فرحاً وسلاماً إلهيا لا يوصفان، ويكون هذا الفرح سبب قوتنا وسبب إستمراية تقديم شكرنا لله والثبات على إيماننا وثقتنا بصلاح الله وعدله ومحبته وغفرانه.
يتساءل سائل، كيف نعيش هذا الإيمان وهذا الرجاء وهذه المحبة وهذا الفرح ونحن نرى الدمار الحال بأهلنا في غزة والأوضاع غير المستقرة في شرقنا العزيز؟ وكذلك ونحن نرى القصف الوحشي وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي واستهداف المدنيين وممارسة حرب التجويع والحصار ونقصان الأدوية والمعدات الطبية لعلاج الجرحى والمصابين؟ كيف لنا أن نفرح ونحن نرى الأشلاء وشلال الدماء والصرخات والأنين والبكاء من المدنيين العزّل؟ كيف لنا أن نتحلّى بالأمل والرجاء وهناك تطرف يميني يسعي لقتل الأفق السياسي بحل الدولتين ليحيا الجميع بأمن واستقرار وسلام؟ كيف يكون هناك في قلوبنا محبة لمن يسرق منّا فرحتنا ويغتال أبناءنا ويدمر بيوتنا ويدفع بنا لحياة اللجوء القسري في أحوال معيشية صعبة وقاسية ومريرة؟ وكيف لنا أن نجدِّدَ إيماننا وثقتنا بالله ونحن نرى العالم يُطِّلُ برأسه بالإنحياز الإعلامي وتطبيق المعايير المزودجة والتغاضي عن كسر القوانين الدولية الإنسانية ومواثيق جنيف والأمم المتحدة التي من المفترض أن تحافظ َعلى الأرضِ والإنسانِ والتراثِ الثقافيِ الإنساني؟
إن سياسة العالم من حولنا تريد أن تطفأ هذه الشموع الأربعة في حياتنا، فنقدَ الإيمان ونفقدَ الرجاء ونفقدَ المحبة ونفقدَ الفرح، لكن عيد ميلاد السيد المسيح، ابن فلسطين، يعيدُ لنا الأمل والرجاء بولادة عالم إنساني يقوم على مبدأ المحبة والتسامح والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية. هذه كلها تلخِّصُ إرادةَ الله لنا نحن البشر الذي مسّرتُه بنا، وإرادتُهُ أن يسود السلام على الأرض إبتداء من الأراضي المقدسة.
ويد الله تعمل معنا ومن خلالنا لأجل تحقيق هذه المبادئ السامية في عالمنا، لذلك وجب علينا أن نُبقى شموع حياتنا الأربعة هذه مشتعلة، وأن لا نسمحَ أبداً لأحدٍ أن يطفأها، ودَورنا أن نُبقي هذه الشموع الأربعة في حياة الناس مشتعلة، فهذا واجب روحي وإنساني ووطني أيضاً. ولو أطفأت إحدى هذه الشموع فعلى بقية الشموع إشعالها، لتَبقَى حزمةٌ واحدةً مشتعلةً مضيئةً لا تقدرُ على إطفائها أية قوى عالمية مهما قويت وتجبّرت وامتلكت أقوى وأعتى أنواع الأسلحة الذكية والفتاكة.
معركتُنا في الحياة أنْ نُبقى هذه الشموع الأربعة مشتعلة، شمعة الإيمان وشمعة الرجاء وشمعة المحبة وشمعة الفرح مشتعلة، لأنَّها وحدها القادرة أن تغيّر وجه هذا العالم القبيح.