البطريرك الراعي: الرحمة تولّد السلام في القلوب وبين الناس. ليست البطولة في إشعال الحرب بل البطولة في صنع السلام


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد العاشر من كانون الأول ديسمبر في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي وألقى عظة في أحد مولد يوحنا المعمدان بعنوان “لـمّا حان زمن أليصابات لتلد، ولدت ابنًا … اسمه يوحنا” (لو ١: ٥٧ و٦٣).
استهل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظة مترئسا قداس الأحد قائلا “تمّم الله وعده لزكريّا الكاهن المسنّ عندما بشّره منذ تسعة أشهر بأن صلاته استُجيبت، وامرأته إليصابات العاقر والمتقدمة في عمرها ستلد ابنًا، تسميه يوحنا (راجع لو 1: 3). في الواقع “لـمّا حان زمن أليصابات لتلد، ولدت ابنًا سموّه يوحنا” (لو 1: 57 و63). نحتفل في هذا الأحد بعيد مولد يوحنا المعروف “بالسابق” لأنه يسبق ميلاد يسوع كالفجر قبل بزوغ الشمس، “وبالمعمدان” لأنه جاء يعمّد بالماء للتوبة، ويهيئ “للمعمودية بالروح القدس والنار”، على يد “الآتي بعده وهو أقوى منه” (متى 3: 11)، يسوع المسيح”. وأضاف غبطته “تنكشف لنا في مولد يوحنا ثلاثة: أمانة الله لوعده، التعاون مع الإنسان لتحقيق تصميم الخلاص، رحمة الله اللامتناهية”.

وقال البطريرك الراعي في عظة الأحد “الخميس الماضي قمنا مع صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وعدد من السادة المطارنة، وممثلي البطريركين الآخرين، ورؤساء عامين ورئيسات عامات، بزيارة مدينة صور باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، فرح بها الرأي العام الداخلي والخارجي، وتوسّم بها خيرًا وطنيًّا. حُصرت الزيارة بمدينة صور، حيث التقينا المرجعيات الروحية الجنوبية والقائد الأعلى للقوات الدولية الجنرال لاتزارو، ومن خلال هذه المرجعيات أعلنّا تضامننا مع كل أهالي الجنوب. ولهذا نُظّمت خمس محطات: الأولى في الكاتدرائية المارونية، والثانية في كاتدرائية الروم الملكيين الكاثوليك، والثالثة في كاتدرائية الروم الأرثوذكس، والرابعة في دار الإفتاء للطائفة الشيعية، والخامسة في دار الإفتاء للطائفة السنية. ومن هذه الأمكنة حيّينا أهالي الجنوب الأعزاء في مدنهم وبلداتهم وقراهم. على الرغم من الغصة في القلب بسبب القصف الإسرائيلي الدائم على هذه البلدات، وعيش أهاليها في القلق على مصيرهم وأمنهم، عشنا فرح العائلة اللبنانية الواحدة في تنوّعها. وقلنا للأهالي أن تضامننا معهم يشمل كل حاجاتهم. وأول صرخة نطلقها معهم: “نحن لا نريد حربًا تدمّر بيوتنا وتقتل أطفالنا وتهجّرنا. لقد وقعت في قلبنا صرخة أهالي رميش ودبل وعين إبل والقوزح وعيتا الشعب، الذين نحيّي صمودهم”.

وأضاف غبطته يقول إن “الرحمة حاجة جيلنا الذي يعاني من تجريد الإنسان من إنسانيته ومن طغيان الظلم والإستبداد والكيدية، وإفراغ القلب من العاطفة، وجعله قلبًا من حجر. هذه حال حكّام الدول الذين يغذّون المتحاربين بجميع أنواع الأسلحة الهدّامة والإبادية، كما نشهد في الحرب على قطاع غزة، والحرب على أوكرانيا وسواهما. وهذه حال المجلس النيابي عندنا، الذي ينتهك المادة 49 من الدستور ولا ينتخب رئيسًا للجمهورية، ويمعن بالتالي في إسقاط المؤسسات الدستورية، وتعطيل عمل الإدارات العامّة، والعيش في حالة من الفوضى، وإفقار الشعب وإرغامه على هجرة وطنه، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية. بالمقابل نحيّي اللبنانيين وسواهم الآتين بأعداد كبيرة إلى لبنان للاحتفال مع أهلهم وأنسبائهم بالأعياد الميلادية. إنهم بذلك يظهرون وجه لبنان الحقيقي الصامد من دون سلاح”.

“الرحمة تولّد السلام في القلوب وبين الناس. ليست البطولة في إشعال الحرب بواسطة أسلحة فتّاكة لا قلب لها ولا عقل، بل البطولة في صنع السلام. الحرب تهدم وتقتل بقوة الحديد والنار، أما السلام فيُبنى بمحبة القلب ونور العقل بالحقيقة. الحرب تستهلك الأموال الطائلة من أجل لا شيء، أما السلام فيُطعم الملايين من الجياع. الحرب تنبع من كبرياء الحكّام ومصالحهم الظالمة، أمّا السلام فمن قلب الله”.

وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، قال البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “مولد يوحنا فجرٌ يبشّر بطلوع شمس الرحمة التي أصبح لها اسم في تاريخ البشر، هو يسوع المسيح. فلنُصلِّ لكي يملأ الله قلوبنا وقلب كل إنسان بالرحمة، فتكون ثقافتنا في عيش الأخوّة الإنسانية الشاملة، وفي تماسك العائلة البشرية التي أصبح عضوًا فيها بل رأسًا ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والتسبيح مع الآب والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين!”