الأمير الحسن يزور كنيسة مار شربل

خلال زيارة صاحب السّموّ الملكيّ الأمير الحسن بن طلال، إلى النّيابة البطريركية المارونيّة، وبحضور رؤساء مجلس الكنائس وبعض المسؤولين، القى الوكيل البطريركي للكنيسة المارونيّة الخوري جوزف سويد راعي كنيسة مار شربل عمان كلمة ميلاديّة معبّرة حبّرها بألم حول الأحداث الّتي عصفَت في الأراضي المقدّسة وقطاع غزّة والعالم في الفترة الأخيرة.


وإليكم نصّ الكلمة:
معَ بزُوغِ شَمسِ ميلادِ المُخَلِّصِ “يَسُوع”، أستَودِعُكُم هَذِهِ الرِّسالَة الميلادِيَّة مُحَمّلًا إِيًّاها أَسمَى مَعانِي الميلادِ لسنة 2023- 2024.
“قَد وُلِدَ لَكمِ اليَومَ مُخَلِّصٌ، وَهوَ المَسِيحُ الرَّبُّ في مدينَةِ داوُدَ وَهذِهِ علامَةٌ لكم:
“تجدُونَ طِفلاً ملفُوفًا مُضجَعًا في مذوَد.”
في هَذا العيد المَجيد، عيدُ أَمير السَّلام، أُحَبِّرُ هَذه الرِّسالَة، لأعبِّر لكم مَع رؤساء كنائِسِنا في الأردُن عن عمقِ محبَّتنا وإيماننا بهذه الأرض المقدَّسة وقاطِنيها، مُتَمَنِّين لكم صاحِب السُّموِّ الملكيّ الأمير الحَسَن بِن طلال حَفِظَكُم اللهُ وَرَعاكُم، أعيادًا مَجيدَةً مُبارَكَةً، ونتوقُ مَعَكم إلى ثَقافَةِ السَّلامِ والأَمانِ وثَقافَةِ الحُبِّ والحياةِ والرَّحمَةِ والوِئامِ، ونتوقُ أيضًا إلى أن يُحَقِّقَ لَنا أمير السّلامِ، أُمنياتٍ أخرَى كَثيرةٍ، مِنها: “عَودَةُ الأَطفالِ وَالمُبعَدِينَ والأسرَى والمُعتَقَلِينَ وَالمُهجَّرينَ، إلى حياتِهِم الطَّبيعِيَّةِ وأرضِهم وقراهُم، والعَودَة أيضًا إلى طَاولَةِ المُفاوَضات، وإيقاف جَميع سيناريوهاتِ الموتِ والدَّمار والتّهجيرِ والتّجويعِ وقَطعِ كُلّ شَرايينِ مُقَوِّماتِ الحَياةِ في غَزَّة والضِّفَّة الغربيَّة…

،صاحِب السُّموِّ الملكيّ عالَمُنَا اليَومَ يَشعُرُ بالأَلمِ وَالحُزنِ وَالكآبَةِ لِمَا يَحدُثُ حَولَهُ، لِذا أُصَلِّي من أَجلِ إحلالِ السَّلامِ في هَذا العالَمِ وأتَرَجَّى أَن يُعمَلَ بأجندَةِ السّماءِ لا بأَجندَاتِ القوَى الظّلامِيَّةِ الشّيطانِيَّةِ. فَللسَّماءِ كلِمتُهَا أيضًا، وصلاتَنا هِيَ “لتَكن مَشيئَةُ الله”. ومَشيئَةُ اللهِ هِيَ: “أَن لا يَهلِكَ أحدٌ منَ الَّذينَ أَعطانَا إيَّاهُم”…

ميلادُ المُخلِّصِ هُوَ وِلادَةٌ مُتَجَدِّدَةُ للمحبَّةِ وَالتَّضحيةِ والغُفرانِ وافتِقادِ المتألِّمينَ، وكَم نتمَنَّى جميعًا الخير وَالبركَة، للمَملَكَةِ الأردُنيَّةِ الهاشِميَّةِ ومليكها جلالة المَلك عبدالله الثّاني ابن الحُسَين المُعَظَّم، لِهَذَا الشّـرق الَّذي سَقَطَ في أَيدي

المُخَرِّبينَ والعُقُولِ المَريضَةِ، وكَم نصَلّي أن تَنتَهيَ سيمفُونِيَّةُ الآلامِ في غَزّة والأَراضِي المُقَدَّسة، والتّي تَشمُلُ أيضًا الأردُن ولبنان.

إنّها لَجُلجُلَةٌ دامِيةٌ استَبدَلَتِ المَشهَد الميلادِيّ بِمَشهَدِ أسبوع الآلام.
غُبارٌ وَدمارٌ وَخَرابٌ وسَوَادٌ وأَرضٌ مَحرُوقَةٌ وَتَهجيرٌ ، ألم وَتَشَرُّد وَمَوتٌ. … يا لَها مِن مآسٍ طاحِنَةٍ…
نَلتَقي اليَوم مع سُمُوِّكُم لِنُصَلّي لشـَرقِنا المُتألِّم كَي يعود إلى سابق عهدهِ، واحَةَ أمنٍ وَسَلامٍ، كما وندعُو اللهَ أن يستَمطِرَ سَلامَهُ عَلى العالَمِ أَجمَع غاسِلاً القلُوبَ وَالضَّمائِرَ المُثقَلَة بالغَضَبِ والأحقاد وَالكَرَاهِيَةِ تِجاهَ الآخَرِين. ويَجبِلَها برَحمَتِهِ من جَديد.

صاحِبَ السُّموِّ الملكيّ، العَدالَةُ سُلِبَت، والأرضُ انتُهِكَت، والسّلامُ نُحِرَ، والتّناغُمُ انمَحى، والأحلامُ انطَفأت، لِذا عَلَينا أن نعملَ على بناءِ عالَمٍ تَسودُهُ قِيَمٌ سلامِيَّة…

فالميلادُ “هُوَ ميلادُ السَّلامِ والخيرِ وَالرَّحمَةِ، ميلادُ الأيادِي البَيضاءِ والعَطاءِ وتَبادُلِ الهَدايا المُعَبِّرةِ وهوَ ميلادُ التَّرانيمِ الجَميلَةِ وَالمُمَيَّزةِ، وقَد غابَت هَذِه السّنة هِيَ أيضًا مِن ساحاتِنا وشَوارِعِنا وقُرانَا في الأراضِي المُقَدَّسَة والأردُن.

صاحِبَ السُّموِّ الملكيّ، إنَّ الرَّحمَةَ لا ولَن تَكونَ في الخطاباتِ الرَّنَّانَة، بَل يُعَبَّر عنها بأعمالٍ رَحمَوِيّة مدَوِّيَة…
لقد وُلِدَ المَسيحُ “طفلُ المغارَةِ” كَي يُرخِيَ على أَرضِنا هذهِ، فَضائِلَ المَحبَّةِ وَالسَّلامِ وَالمُصالَحَة. فأينَ نَحنُ مِنها اليَوم؟.
ميلادُ يَسوع اليَومَ يُعيدُ إلى أذهانِنا مَجزَرَةً دامِية حَدَثَت في بَيت لَحمَ، وعَمَليّةُ تهجيرِ العائِلَةِ المُقَدَّسَةِ إلى مِصـرَ، ونُبوءَة: “راحيل تَبكي بَنيهَا وقَد أبَت أن تَتَعَزَّى لأنُّهم زالوا منَ الوُجُود”.
رَغبَةٌ جَامِحَةٌ يُريدُها اللهُ مِنّا اليَومَ وهيَ أن نطلِقَ: “وَرشَةَ بِناءِ الإنسانِ”… وَلَم يفُتِ الأَوانُ بَعدُ، ولَن يَفُوتَ الأَوانُ أَبدًا للبَدءِ مِن جَدِيد…
ففي الحَربِ كُلُّنا خاسِرُون.

صاحِبَ السُّموِّ الملكيّ، لقد كانَ عام 2023 عصيبًا مؤلِمًا دامِيًا، إِلَّا أنَّهُ كان أَيضًا عامًا جميلاً. وبقدرِ ما تساقَطَ عَن أَشجارِنَا من أَوراقٍ وغصُونٍ، فقَد نَمَتْ عَلَيهَا أَيضًا براعِمُ جَديدَةٌ… لِذا يَجِبُ أن نَضعَ معًا خططًا للمستقبلِ تَمنَحُنا إمكانيَّةَ تغييرِ واقِعِنا للأفضَل، وهَذا لَيسَ بِصَعبٍ.
أَخيرًا، باسمِ نيافَة الكَردينال مار بشارَة بُطرُس الرّاعي بَطرِيرك أنطاكيه وسائِر المَشـرِق للموارنة، الكُلِّيّ الطّوبَى، وراعي الأبرَشيّة سيادَة المطران موسى الحاج السّامي الإحتِرام، ورُعاة كَنيستي المارونِيَّة وأبرَشيّاتهم، وباسمِ قادَتِنا الرّوحييّنَ في الأردُنّ، أعايِدُ صَاحِب الجَلالة الملك عبدالله الثّاني ابنُ الحُسَين المُعَظّم، الوَصِيّ عَلى الأَوقافِ الإسلامِيَّة والمَسيحِيَّةِ في القدس وِصايَةً هاشميَّة تاريخِيَّة لَها بُعدُها الحَضارِيّ والإنسانيّ العَميق، وأُعايِدُكم صاحِبَ السُّموّ المَلَكِي الأمير الحَسن بن طلال حفظكم الله ورعاكم، وأذَكِّركم بأنَّكم أنتُم من عملتم على تَخصيصِ هَذِه الأَرض للكَنيسة الماروُنيّة سنة 1998 وكانَت لَكُم اليَد الطُّولَى في إطلاقِ وَرشَةِ بِناءِ هَذا الصّـَرح الماروُنيّ في المملَكَةِ الأردُنِيَّة الهاشِميَّة منذ 25 سنة وقد احتفلنا مع غبطته في السَّابع والعشـرين من أيَّار الفائِت باليوبيل الفـضِّي فَمُجَدَّدًا وتكرارًا وباسمِ صاحبي الغبطة والسِّيادَة نشكُرُكم، ومن خلالِكُم أُعايِدُ الأُردُنَّ وقادَتِها ورجالاتِها، وجنودِ المملكَةِ البَواسِل، وَالأَمنِيِّين عُمومًا والمُؤَسَّسات الإنسانِيّة والخَدماتِيّة، مُتمَنِّيًا لَكُم:
باسمِ أَساقِفَة كَنيستنا وقادَتها الرُّوحيّين أعضاء مَجلِس رؤساء الكنائِس في الأردُن، السَّلامَ وَالأَمانَ والطُّمأنينَةَ، ومعًا نصَلّي مِن أجلِ إحلالِ السَّلام في الأراضي المُقَدَّسة وتَحديدًا في غَزّة، وفي هَذا العالَم، ونصَلّي من أجلِ شِفاءِ الجَرحى والمُصابين، ونطلُبُ العَزاءَ للأمَّهاتِ اللَّواتي فَقَدْنَ فَلذَاتِ أكبادِهِنَّ، وننَادِي أَيضًا بِإِطلاقِ الأَسْرَى وعَوْدَةِ البَصَـرِ إِلى العُمْيَانِ، وإطلاقِ المَقْهُورِينَ أَحرَارًا… ومَع طِفلِ بَيت لَحمَ ننَادِي بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لَدَى الرَّبّ. فأهلًا وسَهلًا بِكم في النّيابَة البَطرِيركِيَّةِ المارونِيّة ولَكُم الكَلِمة. وأنتُم أهلُ الدّار…
الوَكيل البَطريركيّ للكَنيسة المارونيّةِ في المملَكَةِ الأردُنِيَّة الهاشِميّة
الخوري جوزف سويد.
٢٦/١٢/٢٠٢٣